للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَعْلُومٌ وَالْحُكْمُ مُتَّحِدٌ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَجْهُولٌ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يُغَايِرُ مِلْكَ النِّكَاحِ حُكْمًا، وَالْإِعْتَاقُ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ لِذَاتِهِ بَلْ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَذَلِكَ فِي الْخَطَإِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ لِحُرِّيَّتِهِ فَيُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَيُنَفَّذُ وَصَايَاهُ فَجَاءَ الِاشْتِبَاهُ.

أَمَّا الْعَمْدُ فَمُوجِبُهُ الْقِصَاصُ وَالْعَبْدُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لَهُ فَالْمَوْلَى هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ إذْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَلَا اشْتِبَاهَ فِيمَنْ لَهُ الْحَقُّ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي الْفَصْلَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ، وَمَا نَقَصَهُ مِنْ وَقْتِ الْجُرْحِ إلَى وَقْتِ الْإِعْتَاقِ كَمَا ذَكَرْنَا لِأَنَّهُ حَصَلَ عَلَى مِلْكِهِ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ، وَعِنْدَهُمَا الْجَوَابُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ

مُخَالِفَةً لِلْبِدَايَةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ جَرَحَ عَبْدَ إنْسَانٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَلَا الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ؛ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَبِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِأَنَّ الدَّلِيلَ وَهُوَ مُخَالَفَةُ النِّهَايَةِ لِلْبِدَايَةِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، وَبِانْقِطَاعِهِمَا يَبْقَى الْجُرْحُ بِلَا سِرَايَةٍ وَالسِّرَايَةُ بِلَا قَطْعٍ فَيَمْتَنِعُ الْقِصَاصُ كَأَنَّهُ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى لِكَوْنِهِ جُرْحًا بِلَا سِرَايَةٍ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَظَرًا إلَى حَقِيقَةِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ، لِأَنَّهُ إذَا سَرَى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَتْلٌ لَا قَطْعٌ اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي السُّؤَالِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: أَرْشُ الْيَدِ دُونَ أَنْ يَقُولَ أَرْشُ الْجُرْحِ فَلَا وُرُودَ لِلسُّؤَالِ الْمَذْكُورِ أَصْلًا، إذْ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِتَابِ، فَلَا مَجَالَ لِلسُّؤَالِ عَلَى دَلِيلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ أَرْشُ الْيَدِ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هَاهُنَا عَلَى سَبِيلِ التَّنْوِيرِ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَرَحَ عَبْدَ إنْسَانٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَلِلسُّؤَالِ الْمَذْكُورِ وُرُودٌ، وَلَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ مَنْقُوضٌ بِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهَا أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ الْيَدِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ وَذَلِكَ فِي الْخَطَإِ دُونَ الْعَمْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَصْلُحُ مَالِكًا لِلْمَالِ، فَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْجُرْحِ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى، وَعَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ يَكُونُ لِلْمَيِّتِ لِحُرِّيَّتِهِ فَجَاءَ الِاشْتِبَاهُ) أَقُولُ: فِي هَذَا الْمَقَامِ ضَرْبٌ مِنْ الْإِشْكَالِ لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالَةِ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْلَى بِالْوِرَاثَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>