فَيَضْمَنُهُ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَيَسْتَوِي الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرُهُ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ فَلَا نُعِيدُهُ
. قَالَ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا وَلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا)
وَاقِعًا لَهُ (فَيَضْمَنُهُ) أَيْ فَيَضْمَنُ مَا نَقَدَهُ وَمَا سَلَّمَهُ (فَيَتَضَرَّرُ بِهِ) وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا. ثُمَّ إنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ عَامٌّ يَشْمَلُ جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَمُخْتَصٌّ بِالتَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَرْجِعُ فِيهَا الْحُقُوقُ إلَى الْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا. وَعَنْ هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَيَسْتَوِي الْوَكِيلُ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ عَدَمُ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ نَظَرًا إلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ لَا يَصِحُّ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي سَائِرِ مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَإِذَا جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ وَقَالَ لَمْ أُوَكِّلْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَزْلًا، هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ، وَفِي مَسَائِلِ الْغَصْبِ مِنْ الْأَجْنَاسِ أَيْضًا: إذَا قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوَكِّلْ فُلَانًا فَهَذَا كَذِبٌ وَهُوَ وَكِيلٌ لَا يَنْعَزِلُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِهِمْ أَنَّ جُحُودَ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ عَزْلٌ لِلْوَكِيلِ.
وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ جُحُودَ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ لَهُ انْتَهَى. وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ ذَكَرْنَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ إلَخْ (فَلَا نُعِيدُهُ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْإِعَادَةِ. اعْلَمْ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا، وَرَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، وَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ الْعَزْلُ إلَّا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ أَوْ بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ إذَا لَمْ يَكُونَا عَدْلَيْنِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَثْبُتُ بِهِ الْعَزْلُ بِالِاتِّفَاقِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ الرَّسُولُ، عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ.
وَقَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ الرَّسُولَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِلِ وَسَفِيرٌ عَنْهُ فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ جُنُونًا مُطْبِقًا) بِالْبَاءِ الْمَسْكُورَةِ: أَيْ دَائِمًا، وَمِنْهُ الْحُمَّى الْمُطْبِقَةُ: أَيْ الدَّائِمَةُ الَّتِي لَا تُفَارِقُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَقِيلَ مُطْبِقًا: أَيْ مُسْتَوْعِبًا، مِنْ أَطْبَقَ الْغَيْمُ السَّمَاءَ، إذَا اسْتَوْعَبَهَا (وَلَحَاقِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ: أَيْ وَتَبْطُلُ بِلَحَاقِ الْمُوَكِّلِ (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا: مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بِحَيْثُ يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الْعَزْلَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَزَمَانٍ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ جَانِبِ الطَّالِبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوَكَالَةُ لَازِمَةً بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الْعَزْلَ كَالْعَدْلِ إذَا سُلِّطَ عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ وَكَانَ التَّسْلِيطُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَلَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبِقًا، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إذَا كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ يَكُونُ لِبَقَائِهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ بَعْدَمَا جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا لَا يَصِحُّ، فَكَذَا لَا تَبْقَى الْوَكَالَةُ إذَا صَارَ الْمُوَكِّلُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَأَمَّا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute