قَالَ (وَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُسَلِّمُ لَهُ) لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَكِيلَا يَتَكَرَّرَ الِاسْتِحْقَاقُ. وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا يَأْخُذُهُ لِيُتِمَّ حَقَّهُ فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِمَا أَخَذَهُ
وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا سَنَدُ مَنْعِهِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ أَيْضًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يَدَانِ حُكْمِيَّتَانِ بِكَمَالِهِمَا مِنْ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَهَاهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ ثُبُوتَ يَدِ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ سِرَايَةِ الْقَطْعِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ فِي يَدِهِ، وَثُبُوتُ يَدِ الْغَاصِبِ عَلَيْهِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً فَاخْتَلَفَتْ الْجِهَتَانِ
(بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فَيُسَلِّمُ لَهُ، لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى اجْتِمَاعِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ جَوَابًا عَنْهُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامَيْنِ: وَهُمَا يَقُولَانِ لَيْسَ هَذَا عِوَضَ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، بَلْ هُوَ عِوَضُ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ اهـ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الَّذِي يَرْجِعُ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ كَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضَ مَا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ وَقَعَتْ عِنْدَ الْمَوْلَى لَا عِنْدَ الْغَاصِبِ، فَأَنَّى يَصِحُّ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ عِوَضًا عَمَّا دَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ مُدَبَّرِهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي يَدِهِ، وَالْعُهْدَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا لَا رَيْبَ فِيهِ. وَعَنْ هَذَا فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ الَّتِي هِيَ عَكْسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ وَافَقَ الْإِمَامَيْنِ هُنَاكَ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَوْلَى مَلَكَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْغَاصِبِ وَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِوَضًا عَمَّا أَخَذَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ، إلَّا أَنَّ فِي تَقْرِيرِهِ مَسَاغَ التَّخَلُّصِ عَمَّا أَوْرَدْنَاهُ عَلَى تَقْرِيرِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ اعْتَبَرَ التَّعَارُضَ فِي جَانِبِ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لَا فِي جَانِبِ الرُّجُوعِ عَلَى الْغَاصِبِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ.
ثُمَّ إنَّ الْأَظْهَرَ فِي الْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْغَايَةِ إلَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: وَجَوَابُهُ مَا قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ أَنَّ مَا أَخَذَهُ الْمَوْلَى مِنْ الْغَاصِبِ هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْمَدْفُوعِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى مِنْ الْعَبْدِ فِيمَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْغَاصِبِ. وَأَمَّا فِي حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَلَا يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْعَبْدِ بَلْ يُعْتَبَرُ بَدَلًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ بَدَلًا عَنْ عَيْنٍ فِي حَقِّ إنْسَانٍ، وَيَكُونُ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَالنَّصْرَانِيِّ إذَا بَاعَ الْخَمْرَ وَقَضَى مِنْهُ دَيْنَ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ بَدَلَ الْخَمْرِ فِي حَقِّ النَّصْرَانِيِّ وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بَدَلَ دَيْنِهِ كَذَا هَاهُنَا اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى فِي حَقِّهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا انْتَقَصَ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةً لِلْأُولَى حُكْمًا فَكَيْفَ يَكُونُ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute