للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَخَيَّرُهُمْ الْوَلِيُّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَقْضِي لَهُمْ بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً. وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْضِي بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَالْمَوْتُ عِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ،

اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْإِقْسَامِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ أَخْذًا مِنْ الْمُغْرِبِ. وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: الْقَسَامَةُ لُغَةً مَصْدَرُ أَقْسَمَ قَسَامَةً أَوْ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْإِقْسَامِ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَا يُرَى وَجْهُ صِحَّةٍ لِكَوْنِ الْقَسَامَةِ مَصْدَرَ أَقْسَمَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دُرْبَةٌ بِعِلْمِ الْأَدَبِ وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَهِيَ أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرُ جِرَاحَةٍ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ وَمَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِيهِ قُصُورٌ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ مَا إذَا وَجَدَ الْقَتِيلَ لَا فِي مَحَلَّةٍ وَلَا فِي دَارٍ بَلْ فِي مَوْضِعٍ خَارِجٍ مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ قَرِيبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ مَعَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا قَسَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ بَنَى الْكَلَامَ عَلَى مَا هُوَ الْأَكْثَرُ وُقُوعًا، لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَعْرِيفٍ لِمَعْنَى الْقَسَامَةِ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا وَمَانِعًا كَمَا لَا يَخْفَى. فَالْأَوْلَى أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ قُيُودٌ وَيُقَالُ: هِيَ فِي الشَّرِيعَةِ أَيْمَانٌ يُقْسِمُ بِهَا أَهْلُ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ مَوْضِعٍ خَارِجٍ مِنْ مِصْرَ أَوْ قَرْيَةٍ قَرِيبٍ مِنْهُ بِحَيْثُ يُسْمَعُ الصَّوْتُ مِنْهُ إذَا وُجِدَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَتِيلٌ بِهِ أَثَرٌ لَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ يَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ وَلَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا. وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا فَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ دَارِ رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ إنْ كَانَ بِهِ جِرَاحَةٌ أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ أَثَرُ خَنْقٍ وَلَا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ يُقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ وَلَا عَلِمْتُ لَهُ قَاتِلًا

انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ سَمَاجَةٌ لَا تَخْفَى، فَإِنَّ مَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الْقَسَامَةِ لَا تَفْسِيرُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا، فَإِنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ قَبِيلِ التَّصَوُّرَاتِ، وَمَا ذُكِرَ فِيهَا تَصْدِيقٌ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِيَّاتِ كَمَا تَرَى، نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ تَفْسِيرُ الْقَسَامَةِ شَرْعًا بِتَدْقِيقِ النَّظَرِ، لَكِنَّهُ فِي مَوْضِعِ بَيَانِ مَعْنَى الْقَسَامَةِ شَرْعًا فِي أَوَّلِ الْبَابِ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الصَّوَابِ. ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَمَّا شَرْطُهَا فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا، فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْقَسَامَةِ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَيِّتِ الْمَوْجُودِ أَثَرُ الْقَتْلِ، وَأَمَّا لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ. وَمِنْ شُرُوطِهَا أَيْضًا تَكْمِيلُ الْيَمِينِ بِالْخَمْسِينَ انْتَهَى. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا كَذَلِكَ. أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ شُرُوطَهَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ بِمَا ذَكَرَ، فَإِنَّ مِنْهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُعْلَمَ قَاتِلُهُ، فَإِنْ عُلِمَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَكِنْ يَجِبُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلَا قَسَامَةَ فِي بَهِيمَةٍ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ وَلَا غُرْمَ فِيهَا. وَمِنْهَا الدَّعْوَى مِنْ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَمِينٌ وَالْيَمِينُ لَا تَجِبُ بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَمِنْهَا إنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَظِيفَةُ الْمُنْكِرِ، وَمِنْهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْقَسَامَةِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي وَحَقُّ الْإِنْسَانِ يُوفَى عِنْدَ طَلَبِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيْمَانِ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِأَحَدٍ أَوْ فِي يَدِ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلَا فِي يَدِ أَحَدٍ أَصْلًا فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ.

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْقَتِيلُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْمِلْكِ الَّذِي وُجِدَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>