للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ بَلْ يَرُدُّهَا عَلَى الْوَلِيِّ، فَإِنْ حَلَفُوا لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبَدَاءِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ قَوْلُهُ لِلْأَوْلِيَاءِ «فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ» وَلِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَإِذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْوَلِيِّ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ وَرَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَصْلٌ لَهُ كَمَا فِي النُّكُولِ، غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ دَلَالَةٌ فِيهَا نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ لَا يُجَامِعُهَا وَالْمَالُ يَجِبُ مَعَهَا فَلِهَذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ. وَلَنَا قَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ بَدَأَ بِالْيَهُودِ بِالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ

فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ فِي قِنٍّ أَوْ مُدَبَّرٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مَأْذُونٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي دَارِ مَوْلَاهُ. نَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى هَاتِيك الشُّرُوطِ كُلِّهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مَعَ زِيَادَةِ تَفْصِيلٍ. فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ بَعْضِ الشُّرُوطِ وَتَرْكِ أَكْثَرِهَا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي دَارِ مُكَاتَبٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ، وَإِذَا حَلَفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدِّيَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ، فَمَا مَعْنَى جَعْلِ كَوْنِ الْمُقْسِمِ حُرًّا مِنْ شُرُوطِهَا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُكَاتَبُ حُرٌّ يَدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا رَقَبَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ فَوُجِدَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ فَجَازَ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فِي الْقَسَامَةِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَشَرْطُهَا بُلُوغُ الْمُقْسِمِ وَعَقْلُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَوُجُودُ أَثَرِ الْقَتْلِ فِي الْمَيِّتِ وَتَكْمِيلُ الْيَمِينِ خَمْسِينَ انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْإِخْلَالِ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِاشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي الْمُقْسِمِ مَعَ كَوْنِهَا شَرْطًا أَيْضًا. ثُمَّ أَقُولُ: فِي إمْكَانِ تَوْجِيهِ ذَلِكَ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اكْتَفَى فِي إفَادَةِ ذَلِكَ الشَّرْطِ أَيْضًا بِتَذْكِيرِ لَفْظِ الْمُقْسِمِ فِي قَوْلِهِ: بُلُوغُ الْمُقْسِمِ، وَبِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ وَعَقْلُهُ وَحُرِّيَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ شَائِعًا فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ. وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي مَسْأَلَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَهِيَ مَا سَيَجِيءُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ لِامْرَأَةٍ؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهَا الْقَسَامَةُ تُكَرَّرُ عَلَيْهَا الْأَيْمَانُ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَسَامَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَيْضًا فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أَهْلًا لِلْقَسَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ فَمَذْهَبُهُ مِثْلُ مَذْهَبِنَا) أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قُصُورٌ بَلْ اخْتِلَالٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَذْهَبَ الْخَصْمِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوْثٌ: أَيْ قَرِينَةٌ حَالَ تَوَقُّعٍ فِي الْقَلْبِ صَدَقَ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّوْثُ مِنْ قِبَلِ عَلَامَةِ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَالدَّمِ، أَمْ مِنْ قِبَلِ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي كَعَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ بِالثَّانِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ بَعْدَ عَطْفِ قَوْلِهِ أَوْ ظَاهِرٍ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي فِيمَا قُبِلَ عَلَى قَوْلِهِ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ لَوْثٌ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ إيرَادَ الضَّمِيرِ الْمُفْرَدِ فِي قَوْلِهِ فَمَذْهَبُهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِيمَا قَبْلُ مَذْهَبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَإِنْ قَالَ: اللَّوْثُ عِنْدَهُمَا إلَخْ مِنْ قَبِيلِ الْإِغْلَاقِ حَيْثُ لَا يُفْهَمُ أَنَّ مَرْجِعَهُ أَيٌّ مِنْهُمَا، وَعَنْ هَذَا حَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَبَعْضُهُمْ عَلَى مَالِكٍ فَحَقُّ الْمَقَامِ الْإِظْهَارُ دُونَ الْإِضْمَارِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ») أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ قَوْلَهُ «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» إنْ أَفَادَ قَصْرَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ مِنْ أَنَّ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>