عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْقَضَاءِ وَتَصَادُقُهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عَطَاءٌ مَعَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ) لِأَنَّهُ فِي حَقِّ حِصَّتِهِ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ مُقِرٌّ عَلَيْهِمْ.
قَالَ (وَإِذَا جَنَى الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فَقَتَلَهُ خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ قِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا. وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ تَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَالِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا يُوجِبُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ،
لِلتَّخْفِيفِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُقِرِّ وَحْدَهُ دُونَ الْعَاقِلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَيْسَ مَا قَالَهُ بِسَدِيدٍ، إذْ لَيْسَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَصَالَةً فِي الدِّيَةِ وَلَا فِي التَّأْجِيلِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ بِطَرِيقِ التَّأْجِيلِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ، إذْ قَدْ عُلِمَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَفِي كِتَابِ الدِّيَاتِ وَفِيمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ هَاهُنَا أَصَالَةٌ فِي كَوْنِ التَّأْجِيلِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَلِهَذَا قَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْبَيَانَ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ بِقَوْلِهِ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إلَخْ إنَّمَا يُفِيدُ كَوْنَ الدِّيَةِ مُؤَجَّلَةً إلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَا كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِيهَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هُنَا هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَيُفِيدُ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي الْقَتْلِ مُعَايَبَةً إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهَذَا أَوْلَى، وَهَذَا يُثْبِتُ كَوْنَ التَّأْجِيلِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ دُونَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ إذَا كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا جَرَمَ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُوبُهَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي وَتَأْجِيلُ الدِّيَةِ فَرْعُ وُجُوبِهَا لَا مَحَالَةَ، إنَّمَا يُتَصَوَّرُ التَّأْجِيلُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ لَا قَبْلَهُ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ كَمَا نَقَلَ عَنْهُ فِي النِّهَايَةِ. وَالتَّأْجِيلُ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ لَا مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ، لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَفِي الْقَتْلِ الْمُعَايَنِ الدِّيَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَهُنَا أَوْلَى انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ عِنْدَنَا عَلَى مَا عُرِفَ) أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فِي تَعْلِيلِ أَنْ لَا قِصَاصَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ عِنْدَنَا بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَنْعَدِمُ التَّمَاثُلُ بِالتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْغَايَةِ حَيْثُ قَالَ هُنَا: لَنَا أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ، وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ بَيْنَ طَرَفِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَلَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَطَرَفِ الْبَهِيمَةِ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى مَا عُرِفَ انْتَهَى. يُنْتَقَضُ حِينَئِذٍ مَا ذَكَرَهُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِتَحَمُّلِ الْعَاقِلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْحُرِّ إلَى مَا دُونَ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ هُنَا يَجْرِي هُنَاكَ أَيْضًا مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي فَصْلٍ بَعْدَ بَابِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ هِيَ الْمَالِيَّةُ دُونَ الْآدَمِيَّةِ، بِخِلَافِ النَّفْسِ مِنْ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إتْلَافِهَا هِيَ الْآدَمِيَّةُ دُونَ الْمَالِيَّةِ عِنْدَنَا جَازَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute