للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ

أَشْهُرٍ حَيًّا، وَتِلْكَ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْجَنِينِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَا عَلَى حَيَاتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِأَحْوَالِ الْجَنِينِ فِي الرَّحِمِ وَبِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَعَنْ هَذَا كَانَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ عِنْدَ بَيَانِ هَذَا الشَّرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ بِدُونِ ذِكْرِ قَيْدِ الْحَيَاةِ أَصْلًا، وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ مِنْ شَرَائِطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مِقْدَارَ الثُّلُثِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِسَدِيدٍ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْمُوصِي إذَا تَرَكَ وَرَثَةً فَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ أَجَازُوهُ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا فَتَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَتَّى بِجَمِيعِ مَالِهِ عِنْدَنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً بِأَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ، وَأُخْرَى بِأَنْ لَا يُجِيزَهُ الْوَارِثُ.

(بَابٌ فِي صِفَةِ الْوَصِيَّةِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَجَبُّ مِنْهُ وَمَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهُ)

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَلِّ هَذَا التَّرْكِيبِ: أَيْ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا لَا يُسْتَحَبُّ. وَقَالَ: ثُمَّ ظَاهِرُ الْإِبْدَالِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَيَانِ صِفَةِ الْوَصِيَّةِ بَيَانُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، فَالْأَوْلَى إيرَادُهُ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ فَاحِشٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ سَلَكَ مَسْلَكَ التَّقْدِيرِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ: أَيْ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ وَمَا لَا يُسْتَحَبُّ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّ ذَاكَ التَّقْدِيرَ إنْ صَحَّ فِي قَوْلِهِ مَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ، إذْ لَيْسَ فِي جِنْسِ الْوَصِيَّةِ مَا يَخْلُو عَنْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لِكَوْنِهِمَا نَقِيضِينَ لَا يَرْتَفِعَانِ عَنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ جِنْسِ الْوَصِيَّةِ شَيْءٌ يُغَايِرُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصْلُحَ ذَلِكَ لَأَنْ يُذْكَرَ بَعْدَهُمَا، فَإِنْ قُيِّدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ يُخْرِجُ مِنْهُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ لَا يَبْقَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ يُغَايِرُ مَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ حَتَّى يَنْدَرِجَ فِيمَا لَا يُسْتَحَبُّ مِنْهُ فَيَصِحُّ تَقْدِيرُهُ.

لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ وَبِعَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ صِحَّةِ طَرَفِ الْفِعْلِ أَصْلًا لَا مُجَرَّدُ رَفْعِ التَّسَاوِي حَتَّى يَكُونَا مِنْ قَبِيلِ النَّقِيضَيْنِ فَيَبْقَى الِاسْتِحْبَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>