للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كِتَابِ الْإِقْرَارِ: الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ تَحْتَ اللَّفْظِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّعْبِيرَاتِ فَتَنَاوُلُ صَدْرِ الْكَلَامِ لِلْمُسْتَثْنَى مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ الْمُتَّصِلُ. وَأَمَّا الْمُنْقَطِعُ فَصِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَجَازٌ فِيهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَحِلِّهِ سِيَّمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ صِيغَةَ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ مَجَازًا فِي الْمُنْقَطِعِ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ مَعًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فِي فَصْلِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ وَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَ صَدْرِ الْكَلَامِ لِلْمُسْتَثْنَى بَلْ يُنَافِي ذَلِكَ فَيَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا يُقَالُ الْحَمْلُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْيَدَ أَوْ الرِّجْلَ لَمْ يَجُزْ فَكَذَلِكَ الْحَمْلُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا اهـ.

وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهُمَا حَيْثُ قَالَ: إنْ أَرَادَ مَقْصُودًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ تَبَعًا فَالْحَمْلُ كَذَلِكَ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ اسْمَهَا يَتَنَاوَلُهُمَا مَقْصُودًا، وَقَوْلُهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ اسْمَ الْجَارِيَةِ فِيمَا إذَا أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ يَتَنَاوَلُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا الْحَقِيقِيَّةِ مَقْصُودًا، إذْ لَا مَعْنَى لِإِيصَاءِ الْجَارِيَةِ بِدُونِ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِدُونِ أَجْزَائِهَا الْحَقِيقِيَّةِ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهَا عَنْهَا بِخِلَافِ الْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجُزْءٍ مِنْهَا حَقِيقَةً قَبْلَ الِانْفِصَالِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْهَا عِنْدَ اتِّصَالِهِ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ وَيُمْكِنُ انْفِكَاكُهَا عَنْهُ بِوَضْعِهَا إيَّاهُ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ مَقْصُودًا عِنْدَ إيصَائِهَا كَمَا لَا يَخْفَى.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَرِدُ عَلَى مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ صِحَّتَهُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ مِلْكِ الْمُوصَى فِيهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَّا فَرَسًا، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ فِي الْأَلْفِ صَحِيحَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا صَحِيحٌ فِي تَقْرِيرِ مِلْكِهِ فِي الْفَرَسِ لَا بِاعْتِبَارِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ مَقْصُودًا بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ، وَلَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ الْمِلْكِ لَصَحَّ فِي الْإِقْرَارِ أَيْضًا اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ وَالْفَصِّ مِنْ الْخَاتَمِ وَالنَّخْلَةِ مِنْ الْبُسْتَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْفَرْقِ انْتَهَى. وَقَصَدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَابَ عَنْهُ فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا فَإِنَّهُ لِي وَلِلْمُقَرِّ لَهُ الدَّارُ وَالْبِنَاءُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْخَطُّ وَالْبِنَاءُ يَدْخُلُ تَبَعًا، وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ نَصًّا لَا تَبَعًا فَلِمَ حَكَمُوا بِبُطْلَانِ الِاسْتِثْنَاءِ هُنَاكَ وَلَمْ يُصَحِّحُوهُ بِاعْتِبَارِ تَقْرِيرِ الْمِلْكِ كَمَا صَحَّحُوا بِهِ هُنَا؟ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُصَحِّحُوا ذَلِكَ لِاسْتِلْزَامِهِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ

وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ غَايَتُهُ أَنْ يُحْمَلَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا فِي حَقِّ التَّابِعِ انْتَهَى. أَقُولُ: جَوَابُهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ. فَإِنَّ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ إنَّمَا يَلْزَمُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا وَلَا يُجْعَلُ الْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا فَلَا يَلْزَمُ إبْطَالُ ذَلِكَ أَصْلًا، إذْ يَصِيرُ الْإِقْرَارُ حِينَئِذٍ مَخْصُوصًا بِمَا عَدَا الْبِنَاءَ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ حُكْمَ الْكَلَامِ يَتَوَقَّفُ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى تَمَامِ الْكَلَامِ بِذِكْرِ الْمُسْتَثْنَى فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى فَيَصِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ مَثَلًا هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرَ بِنَاءِ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ الْمُتَوَهَّمُ بَيْنَ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ فِي أَمْثِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقٍّ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ قَطُّ، ثُمَّ إنَّ الْمَصِيرَ إلَى حَمْلِ الِاسْتِثْنَاءِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>