للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا،

الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ فِي حَقِّ التَّابِعِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ أَيْضًا، إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْكِتَابِ لِمَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ جَوَازِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ سَتَجِيءُ بِتَفَاصِيلِهَا وَتَفَارِيعِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَكُونُ رُجُوعًا، لِأَنَّ الرُّجُوعَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ رُجُوعًا) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: قُلْت هَذَا كَلَامٌ ظَاهِرِيٌّ، وَإِلَّا فَالنَّفْي فِي الرُّجُوعِ عَنْهَا بِمَعْنَى فَسْخِهَا وَرَفْعِهَا وَفِي الْجُحُودِ بِمَعْنَى سَلْبِهَا وَنَفْيِ وُقُوعِهَا وَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ " إنَّ جُحُودَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ رُجُوعًا عَنْهَا " أَنَّ الْجُحُودَ وَالرُّجُوعَ مُتَّحِدَانِ مَعْنًى، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا وَهُوَ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ فِي تَرِكَةِ الْمُوصِي فَكَوْنُ النَّفْيِ فِي الرُّجُوعِ بِمَعْنَى الْفَسْخِ وَفِي الْجُحُودِ بِمَعْنَى سَلْبِ الْوُقُوعِ إنَّمَا يُنَافِي الِاتِّحَادَ فِي الْمَعْنَى لَا الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ، وَمَبْنَى اسْتِدْلَالِهِ الْمَذْكُورِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلَا مَحْذُورَ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ عَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِهِ إنَّمَا يَئُولُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي لِمُحَمَّدٍ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَلَا وَجْهَ لِنِسْبَتِهِ إلَى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ قُلْت (قَوْلُهُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءَ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا التَّعْلِيلِ: وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْجُحُودَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ أَوْ مَا أَوْصَيْت لَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي لِكَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ، وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ لِاسْتِمْرَارِ ذَلِكَ إنْ ثَبَتَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِذَا كَانَ الْكَذِبُ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي جُحُودِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ النَّفْيُ فِي الْمَاضِي بَاطِلًا فَيَبْطُلُ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ فَكَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ جَعَلَ اسْمَ كَانَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ الْكَذِبَ، وَلَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْكَذِبَ مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا لَفْظًا وَلَا مَعْنًى وَلَا حُكْمًا، فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْمُ كَانَ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ضَمِيرًا رَاجِعًا إلَى الْكَذِبِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْحَالِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ مُسْتَدْرَكًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْكَذِبِ فِي الْجُحُودِ يَقْتَضِي كَوْنَ الْجُحُودِ لَغْوًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَزْمَانِ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى ذَلِكَ لَمَا تَحَقَّقَ الْفَائِدَةُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْكَذِبُ فِي جُحُودِهِ ثَابِتًا بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْفَرْضِ أَنَّهُ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ جُحُودُهُ لَغْوًا بَاطِلًا لَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورَتِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَفِي بَعْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>