أَوْ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً
الشُّرُوحِ جَعَلَ اسْمَ كَانَ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ الْوَصِيَّةَ وَفِي بَعْضِهَا الْحَقَّ وَكِلَاهُمَا مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْمُصَادَرَةَ عَلَى الْمَطْلُوبِ إنَّمَا تَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: وَإِذَا كَانَ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِعَدَمِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ ذَاكَ بَلْ مَعْنَاهُ: وَإِذَا كَانَ الْإِيصَاءُ أَوْ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ لِكَوْنِهِ كَاذِبًا فِي جُحُودِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَوْصَى فِيمَا مَضَى ثُمَّ جَحَدَ كَانَ الْجُحُودُ لَغْوًا حَيْثُ كَانَ النَّفْيُ فِي الْمَاضِي بَاطِلًا لِظُهُورِ الْكَذِبِ فَبَطَلَ مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَتِهِ وَهُوَ الِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ، وَلَا مُصَادَرَةَ فِي هَذَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ.
(قَوْلُهُ أَوْ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ وَالْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلَا يَكُونُ رُجُوعًا حَقِيقَةً وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً.) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ: إنَّ الْجُحُودَ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالِانْتِفَاءُ فِي الْحَالِ ضَرُورَةُ ذَلِكَ، وَهُنَا قَالَ: وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا حَقِيقَةً عَدَمُ جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ مَجَازًا صَوْنًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ مَعْنَاهُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي وَضْعًا وَحَقِيقَةً وَفِي الْحَالِ ضَرُورَةً لَا وَضْعًا وَهُوَ الْأَوَّلُ فَلَا تَنَافِي. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الرُّجُوعَ وَالْجُحُودَ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَاضِي مُتَضَادَّانِ وَالتَّضَادُّ لَيْسَ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْمَجَازِ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ انْتَهَى.
أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَى جَوَابِهِ عَنْ النَّظَرِ الثَّانِي أَنَّ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ الْجُحُودِ فِي الرُّجُوعِ مَجَازًا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اعْتِبَارِ عَلَاقَةِ الْمَجَازِ التَّضَادَّ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ كَوْنِ التَّضَادِّ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْمَجَازِ فِي الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِعْمَالُ الْجُحُودِ فِي الرُّجُوعِ مَجَازًا أَصْلًا، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكَهُمَا فِي مَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ كَوْنُهُمَا نَافِيَيْنِ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْجُحُودُ نَافِيًا فِي الْمَاضِي أَيْضًا كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ: وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ﵀. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجُحُودَ كَذِبٌ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَجَازًا فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْفَسْخُ صِيَانَةً لِكَلَامِ الْعَاقِلِ عَنْ الْإِلْغَاءِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَنْفَرِدُ بِفَسْخِ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَازَةِ إذَا جَحَدَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ هُنَاكَ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ هُنَاكَ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ حَتَّى لَوْ تَجَاحَدَا نَقُولُ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ جَحَدَ الزَّوْجُ مِنْ الْأَصْلِ بِأَنْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْك لِأَنَّ هُنَاكَ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute