وَقَالَا: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ أَحَدَ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لَا سِيَّمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ ﵊ فِيمَا يُرْوَى،
تَحَيَّرَ الشُّرَّاحُ فِي حَلِّهِ؛ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: مَعْنَاهُ فَلَهُ السُّدُسُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ عَنْهُ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا الْمَعْنَى لَمَا كَانَ لِأَدَائِهِ بِمِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ الْمُعْضِلِ الْمُشَوِّشِ وَجْهٌ، وَهَلْ يَلِيقُ هَذَا بِمَنْصِبِ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَنْقَصَ مِنْ السُّدُسِ لِيُوَافِقَ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَا فِي الْكِتَابِ سَاكِتًا عَنْ بَيَانِ الْحُكْمِ إذَا كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَزْيَدَ مِنْ السُّدُسِ اهـ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ ﵀ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا لِلْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَهُ هُوَ السُّدُسُ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ هُوَ السُّدُسُ أَوْ نَاقِصًا عَنْهُ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ، فَلَا مَجَالَ لَأَنْ يَكُونَ مَا فِي الْكِتَابِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى السُّدُسِ دُونَ النُّقْصَانِ عَنْهُ، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يُنَافِي ذَلِكَ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: أَخَسُّ الْأَنْصِبَاءِ أَقَلُّهُ وَالثُّمُنُ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ بِمَعْنَى السُّدُسِ؟ قُلْت: جَعَلَهُ بِمَعْنَاهُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْأَثَرِ وَاللُّغَةِ اهـ.
أَقُولُ: الْجَوَابُ مَنْظُورٌ فِيهِ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إنَّمَا يَسْتَدْعِي جَعْلَ السَّهْمِ بِمَعْنَى السُّدُسِ لَا جَعْلَ أَخَسِّ الْأَنْصِبَاءِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّهُمَا بِمَعْنَى السُّدُسِ، وَكَلَامُ الْمَسَائِلِ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا تَرَى. وَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ مَا يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهُوَ أَنَّ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ إنَّمَا هُوَ السُّدُسُ، وَأَمَّا الثُّمُنُ فَإِنَّمَا هُوَ أَقَلُّهَا بِاعْتِبَارِ الْعَارِضِ وَهُوَ الزَّوْجِيَّةُ، وَمَا يَكُونُ عَارِضًا فِي مُزَاحَمَةِ مَا هُوَ أَصْلٌ كَالْمَعْدُومِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى أَقَلِّ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ السِّهَامِ بِالْقَرَابَةِ وَهُوَ السُّدُسُ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَشَايِخِ وَالشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا لَا يَكَادُ يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، قَالَ فِي الْكَافِي: فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ، وَرِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ تُخَالِفُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمُّ لَهُ السُّدُسُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ، وَقَوْلُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِمَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا، وَإِمَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْعِنَايَةِ.
أَقُولُ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَوَّزَ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَجَوَّزَ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ مَا فِي الْكَافِي عَلَى وَجْهِ الِارْتِضَاءِ. وَمَعْنَى رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ﵀ لَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ وَلَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَا جَرَمَ تَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُنَافِيَةً لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ رِوَايَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَتَحَمَّلُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَإِمَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ: لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ إذَا نَقَصَ أَخَسُّ السِّهَامِ عَنْ السُّدُسِ لَا مُطْلَقًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَا فِي الْكِتَابِ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute