قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ.
قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مُقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ.
مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ نَفْيَ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا فَلَا يَصْلُحُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشَّارِحِينَ دَلِيلًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا فَتُؤَدِّي إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ وَفِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ. وَأَيْضًا قَوْلُهُ مَا ذَكَرْنَا إنْ أَرَادَ بِهِ السُّدُسَ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَوْلِهِ وَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِقَوْلِ إيَاسٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا عَادَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ اهـ.
وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ قَوْلِهِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ مَا ذَكَرْنَا إلَخْ حَيْثُ قَالَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ السَّهْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى السُّدُسَ لِتَعَيُّنِهِ بِأَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ أَثَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ هُوَ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ، فَلَوْ كَانَ مَعْنَى الدَّلِيلِ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ كَانَ مَدَارُ هَذَا الدَّلِيلِ أَيْضًا أَثَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَالِاسْتِدْرَاكُ كَمَا لَا يَخْفَى، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَأَرَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا لِيَكُونَ مَعْنَى النُّسْخَتَيْنِ وَاحِدًا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ النُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَيْسَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ سَقِيمٌ جِدًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرِيدَهُ الْعَاقِلُ فَضْلًا عَنْ مِثْلِ الْمُصَنِّفِ الْفَطِنِ الْكَامِلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا مَذْكُورٌ بِصَدَدِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ الْمُخَالِفَةِ لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هَذَا الشَّارِحُ فِيمَا قَبْلُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِشَارَةُ فِي الدَّلِيلِ إلَى مَا يُخَالِفُ الْمُدَّعَى وَيُنَافِيهِ. ثُمَّ إنَّ كَوْنَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مُرَكَّبًا مِنْ رِوَايَتَيْ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِمَّا لَا مَجَالَ لَهُ كَمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلُ فَلَا وَجْهَ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مُقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ) قَالَ صَاحِبُ التَّسْهِيلِ: أَقُولُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا لَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ فَمَاتَ مُجَهِّلًا يُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ، وَكَذَا لَوْ أُقِيمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَجْهُولٍ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ، وَيُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى الْبَيَانِ اهـ.
وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: قُلْت: مَا ذَكَرَهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَلَوْ بِمَجْهُولٍ يُوجِبُ تَعَلُّقَ الْغَيْرِ بِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ فَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى بَيَانِهِ بِطَلَبِ الْمُقَرِّ لَهُ، فَإِذَا فَاتَ الْجَبْرُ فِي حَيَاتِهِ بِوَفَاتِهِ سَقَطَ سِيَّمَا إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute