مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْوَاحِدِ الْبَاقِي وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ كَالدِّرْهَمِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا.
قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَاهَا وَبَقِيَ ثُلُثُهَا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ، قَالُوا: هَذَا) إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَلِكَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْجَمْعُ جَبْرًا بِالْقِسْمَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ رَقِيقَةِ فَمَاتَ اثْنَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَكَذَا الدُّورُ الْمُخْتَلِفَةُ) وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهَا. وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَجْمَعَ وَبِدُونِ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِلْفِقْهِ الْمَذْكُورِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَجْمُوعُ نِصْفًا وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ لَهُ إلَّا الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ: هَكَذَا قَالُوا، وَهَذَا كَمَا تَرَى حَمْلٌ لِلْكَلَامِ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ. وَلَك أَنْ تَقُولَ: لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ مُحْتَمَلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ وَكَانَ الْقَدْرُ الثَّابِتُ بِهِ بِيَقِينٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الثُّلُثَ. قُلْنَا: مَا ثَبَتَ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ هُوَ الثُّلُثُ لَكِنْ لَا بِطَرِيقِ حَمْلِهِ عَلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ بَدَأَ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةً لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ ثُبُوتُ الثُّلُثِ بِمَجْمُوعِ الِاحْتِمَالَيْنِ لَا بِأَوَّلِهِمَا، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَيَقَّنَ ثُبُوتُ الثُّلُثِ بِأَوَّلِ الِاحْتِمَالَيْنِ، فَإِنَّ زِيَادَةَ الثُّلُثِ عَلَى السُّدُسِ كَمَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الثُّلُثِ بِلَا رَيْبٍ، وَانْضِمَامَ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي إلَيْهِ إنَّمَا يُفِيدُ جَوَازَ إرَادَةِ النِّصْفِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي ثُبُوتِ الثُّلُثِ لِثُبُوتِهِ بِدُونِ ذَلِكَ.
فَالْمَعْنَى الصَّحِيحُ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ لَا مَا زَادَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَائِدَةٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute