وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ. وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ وَلَمْ يَزَلْ بِاللَّحَاقِ
الْعِنَايَةِ: بَقِيَ الْكَلَامُ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَإِنَّهُ بَعِيدُ التَّعَلُّقِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيُقَالَ: الْوَكِيلُ لَهُ وِلَايَتَانِ: وِلَايَةُ أَصْلِ التَّصَرُّفِ، وَوِلَايَةُ التَّنْفِيذِ، وَالْأُولَى ثَابِتَةٌ لَهُ قَبْلَ التَّوْكِيلِ وَبَعْدَهُ، وَالثَّانِيَةُ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ سِوَى التَّوْكِيلِ فَكَانَتْ ثَابِتَةً بِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ إنَّهُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ بَعِيدُ التَّعَلُّقِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَفْهُومِ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا إثْبَاتَ وِلَايَةِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ مِنْ قَبْلُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ التَّوْكِيلَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّنْفِيذِ لِلْوَكِيلِ لَا إثْبَاتُ وِلَايَةِ أَصْلِ التَّصَرُّفِ لَهُ، حَتَّى يَجُوزَ أَنْ تَعُودَ الْوَكَالَةُ بِعَوْدِ الْوَكِيلِ مُسْلِمًا كَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ أَصْلِ التَّصَرُّفِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِأَهْلِيَّتِهِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُثْبِتَهَا الْمُوَكِّلُ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَسْلَمْ اعْتِبَارُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَنَقُولُ: هُوَ دَلِيلٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مَطْوِيَّةٍ مَفْهُومَةٍ مِنْ الْكَلَامِ بِمَعُونَةِ قَرِينَةِ الْمَقَامِ وَهِيَ لَا إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ لَهُ فَلَا إشْكَالَ عَلَى كُلِّ حَالٍ
. (وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) أَيْ وَقَدْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ (لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا) أَيْ الْوَكَالَةَ (تَعُودُ كَمَا قَالَ فِي الْوَكِيلِ) وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَقُولُ مُحَمَّدٌ: يَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا عَادَ مُسْلِمًا عَادَ إلَيْهِ مَالُهُ عَلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَقَدْ تَعَلَّقَتْ الْوَكَالَةُ بِقَدِيمِ مِلْكِهِ فَيَعُودُ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ، كَمَا لَوْ وُكِّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَادَ الْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ (وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ) يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا فَرَّقَ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ: أَيْ بَيْنَ ارْتِدَادِ الْوَكِيلِ وَبَيْنَ ارْتِدَادِ الْمُوَكِّلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَيْثُ قَالَ بِعَوْدِ الْوَكَالَةِ فِي ارْتِدَادِ الْوَكِيلِ إذَا عَادَ مُسْلِمًا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ، وَبِعَدَمِ عَوْدِهَا فِي ارْتِدَادِ الْمُوَكِّلِ إذَا عَادَ مُسْلِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
فَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (أَنَّ مَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ عَلَى الْمِلْكِ وَقَدْ زَالَ) أَيْ وَقَدْ زَالَ مِلْكُ الْمُوَكِّلِ بِرِدَّتِهِ وَالْقَضَاءِ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ عَلَى الْبَتَاتِ (وَفِي حَقِّ الْوَكِيلِ) أَيْ وَمَبْنَى الْوَكَالَةِ فِي حَقِّ الْوَكِيلِ (عَلَى مَعْنًى قَائِمٍ بِهِ) أَيْ بِالْوَكِيلِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (وَلَمْ يَزَلْ) أَيْ وَلَمْ يَزَلْ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِهِ (بِاللَّحَاقِ) أَيْ بِلَحَاقِ الْوَكِيلِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ فَكَانَ مَحَلُّ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بَاقِيًا، وَلَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ التَّصَرُّفِ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، فَإِذَا زَالَ الْعَارِضُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَسَوَّى بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute