قَالَ (وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا: مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ بِكِتَابَتِهِ فَأَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ بِالْخُلْعِ فَخَالَعَهَا، بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا
الْفَصْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ بِعَدَمِ عَوْدِ الْوَكَالَةِ فِيهِمَا مَعًا
(قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ بِشَيْءٍ) مِنْ الْإِثْبَاتَاتِ أَوْ الْإِسْقَاطَاتِ (ثُمَّ تَصَرَّفَ) أَيْ الْمُوَكِّلُ (بِنَفْسِهِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذَا اللَّفْظُ يَنْتَظِمُ وُجُوهًا كَثِيرَةً) مِنْ الْمَسَائِلِ (مِثْلَ أَنْ يُوَكِّلَهُ) أَيْ الْآخَرُ (بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْمُوَكِّلِ (أَوْ بِكِتَابَتِهِ) أَيْ بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ (فَأَعْتَقَهُ) أَيْ أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدَ (أَوْ كَاتَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ حِينَئِذٍ (أَوْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ إيَّاهُ (أَوْ بِشِرَاءِ شَيْءٍ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَهُ (فَفَعَلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَفَعَلَ الْمُوَكِّلُ مَا وَكَّلَ بِهِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَزْلًا لِلْوَكِيلِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ (أَوْ يُوَكِّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ) وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ (أَوْ وَاحِدَةً) أَيْ أَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ هُنَاكَ أَيْضًا، وَلَا يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ وَقَيَّدَ الْوَاحِدَةَ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَا دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ بَائِنَةً كَانَتْ أَوْ رَجْعِيَّةً. فَإِنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا الْمُوَكِّلُ تَطْلِيقَاتٍ ثَلَاثًا فَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ طَلَاقَهَا لَا فِي الْعِدَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ فِيهِ قَادِرًا عَلَى الطَّلَاقِ كَانَ وَكِيلُهُ أَيْضًا قَادِرًا عَلَيْهِ، وَمَا لَا فَلَا، كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ.
أَقُولُ: فِي هَذَا الْأَصْلِ نَوْعُ إشْكَالٍ إذْ لِطَالِبٍ أَنْ يَطْلُبَ الْفَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ هُنَاكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ، مَعَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِنَفْسِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَلِمَ لَمْ يَقْدِرْ الْوَكِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ مَرَّةً أُخْرَى؟ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ قُدْرَةِ الْوَكِيلِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا فَعَلَ مَرَّةً حَصَلَ الِامْتِثَالُ فَانْتَهَى حُكْمُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقْدِرَ الْوَكِيلُ عَلَى التَّطْلِيقِ بَعْدَ تَطْلِيقِ الْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا. فَإِنْ قِيلَ: بُطْلَانُ الْوَكَالَةِ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالتَّزْوِيجِ بِتَزْوِيجِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى انْقِضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ. قُلْنَا: قَدْ انْقَضَتْ الْحَاجَةُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَيْضًا بِتَطْلِيقِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ. لَا يُقَالُ: قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى تَكْرَارِ الطَّلَاقِ تَشْدِيدًا لِلْفُرْقَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى التَّزَوُّجِ مَرَّةً أُخْرَى أَيْضًا فَلَمْ يَتَّضِحْ الْفَرْقُ فَتَأَمَّلْ (أَوْ بِالْخُلْعِ) أَيْ أَوْ أَنْ يُوَكِّلَهُ بِأَنْ يُخَالِعَ امْرَأَتَهُ (فَخَالَعَهَا) أَيْ فَخَالَعَهَا الْمُوَكِّلُ (بِنَفْسِهِ) فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ هُنَاكَ أَيْضًا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ (لَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute