تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ، فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَالْعَزْلِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ إطْلَاقٌ وَالْعَجْزُ قَدْ زَالَ
تَصَرَّفَ) فِيمَا وَكَّلَ بِهِ (بِنَفْسِهِ تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ) فِي ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ (فَبَطَلَتْ الْوَكَالَةُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا) أَيْ لَوْ تَزَوَّجَ الْمُوَكِّلُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَكَّلَ الْآخَرَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ (بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا) أَيْ أَبَانَهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ. (لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَ تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْمُبَانَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ مَرَّةً أُخْرَى (لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ) أَيْ لِأَنَّ حَاجَةَ الْمُوَكِّلِ قَدْ انْقَضَتْ بِتَزَوُّجِهَا بِنَفْسِهِ. أَقُولُ: هَاهُنَا كَلَامٌ: أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَفْرِيعَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَتَّى عَلَى التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ لِبُطْلَانِ الْوَكَالَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا تَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِي تَزَوُّجِهَا مَرَّةً أُولَى، فَهُوَ الَّذِي تَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى مُوجِبِ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ.
وَفَحْوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَكِيلِ تَزْوِيجُهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ مَرَّةً أُخْرَى، وَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَتَصَرَّفْ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ حَتَّى يَتَعَذَّرَ عَلَى الْوَكِيلِ التَّصَرُّفُ فِيهَا، فَالْأَوْلَى أَنْ يَتْرُكَ أَدَاةَ التَّفْرِيعِ وَيَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا وَقَعَ فِي سَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ انْقَضَتْ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَزَوُّجِهَا مَرَّةً أُولَى قَدْ انْقَضَتْ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ هَذَا لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْحَاجَةِ إلَى تَزَوُّجِهَا مَرَّةً أُخْرَى فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَزَوُّجِهَا مُطْلَقًا قَدْ انْقَضَتْ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، إذْ قَدْ يَحْتَاجُ الرَّجُلُ إلَى تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً لِأَسْبَابٍ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ.
فَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، فَإِذَا فَعَلَ مَرَّةً حَصَلَ الِامْتِثَالُ فَانْتَهَى حُكْمُ الْأَمْرِ كَمَا فِي الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ (بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا تَزَوَّجَ الْوَكِيلُ الْمَرْأَةَ الَّتِي وُكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ (وَأَبَانَهَا) أَيْ وَأَبَانَهَا بَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَكُونُ (لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ) تِلْكَ الْمَرْأَةَ الْمُبَانَةَ (لِبَقَاءِ الْحَاجَةِ) أَيْ لِبَقَاءِ حَاجَةِ الْمُوَكِّلِ إلَى تَزَوُّجِهَا (وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَبَاعَ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ يَعْنِي بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا (فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَوْ رُدَّ الْعَبْدُ عَلَى الْمُوَكِّلِ (بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ؛ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَبِيعَهُ مَرَّةً أُخْرَى) رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ ابْنُ سِمَاعَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ (لِأَنَّ بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُوَكِّلِ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِنَفْسِهِ (مَنْعٌ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ) حُكْمًا (فَصَارَ كَالْعَزْلِ) أَيْ فَصَارَ ذَلِكَ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ عَنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يَعُودُ وَكِيلًا إلَّا بِتَجْدِيدِ الْوَكَالَةِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (أَنْ يَبِيعَهُ) أَيْ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ الْعَبْدَ (مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بَاقِيَةٌ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِتَأْوِيلِ التَّوْكِيلِ أَوْ الْعَقْدِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَقَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ (إطْلَاقُ) أَيْ إطْلَاقُ التَّصَرُّفِ وَهُوَ بَاقٍ وَالِامْتِنَاعُ إنَّمَا كَانَ لِعَجْزِ الْوَكِيلِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِخُرُوجِ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ (وَالْعَجْزُ قَدْ زَالَ) أَيْ وَعَجْزُ الْوَكِيلِ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute