وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ، وَالْمُرَادُ الِاعْتِبَارُ مِنْ الثُّلُثِ وَالضَّرْبُ مَعَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا لَا حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ، وَاعْتِبَارُهُ مِنْ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ، وَكَذَلِكَ مَا ابْتَدَأَ الْمَرِيضُ إيجَابَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِيهِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ أَوْجَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِضَافَةِ دُونَ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَمَا نَفَّذَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ حَالَةُ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَكُلُّ مَرَضٍ صَحَّ مِنْهُ فَهُوَ كَحَالِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ بِالْبُرْءِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي مَالِهِ.
قَالَ (وَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا) فَالْمُحَابَاةُ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى فَهُمَا سَوَاءٌ، (وَقَالَا: الْعِتْقُ أَوْلَى فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْوَصَايَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ فَكُلٌّ مِنْ أَصْحَابِهَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ فِي الثُّلُثِ لَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ إلَّا الْمُوقَعُ فِي الْمَرَضِ، وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ وَالْمُحَابَاةُ فِي الْبَيْعِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّ الْوَصَايَا قَدْ تَسَاوَتْ، وَالتَّسَاوِي فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي نَفْسِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْعِتْقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
يَكُونُ هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ؟ نَعَمْ إنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ إذَا وُجِدَ فِي مَرَضٍ حَيْثُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ أَمْرًا يُغَايِرُ حَقِيقَةَ الْوَصِيَّةِ وَلَكِنْ كَانَ فِي حُكْمِهَا أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخَّرَهُ عَنْ حَقِيقَةِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ مَكَانَ قَوْلِهِ جَائِزٌ) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ هُنَا تَسَامُحٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ جَائِزٌ فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى مَحْمُولٌ فِي الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ فَهُوَ وَصِيَّةٌ فِي هَذِهِ النُّسْخَةِ مَوْضُوعٌ وَمَحْمُولٌ فَكَيْفَ يَكُونُ الثَّانِي مَكَانَ الْأَوَّلِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ مَكَانَ قَوْلِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْعِتْقَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute