آنِفًا لِأَنَّهُ أَقْوَى فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ. وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، وَإِذَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ سِوَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا، وَلَا يُقَدَّمُ الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ. لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَالْمُحَابَاةُ يَلْحَقُهَا، وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَقْدِيمِ الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقَدُّمَ فِي الثُّبُوتِ. وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى،
آنِفًا لِأَنَّهُ أَقْوَى، فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي) أَقُولُ: فِي هَذَا التَّحْرِيرِ قُصُورٌ بَلْ خَلَلٌ.
أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ قَيْدٌ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي فِي قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي حَشْوٌ مُفْسِدٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَنَا أَيْضًا فِي الرِّوَايَاتِ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ عَلَى أَنْ يَلْحَقَهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُوصِي كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ مَعَ أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَلْحَقُ الْعِتْقَ مِنْ جِهَةِ أَحَدٍ أَصْلًا وَإِنْ لَحِقَ الْمُحَابَاةَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُوصِي وَهُوَ الْمُشْتَرِي. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ " وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ " يُوهِمُ بِإِطْلَاقِهِ أَنْ يَلْحَقَ الْفَسْخُ الْمُحَابَاةَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي مَعَ أَنَّهُ قَالَ وَكَذَا الْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي. فَالْحَقُّ فِي تَحْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ أَصْلًا وَالْمُحَابَاةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي وَغَيْرِ الْمُوصِي أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ كَثِيرًا مِنْ الشُّرَّاحِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ قَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا " وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ " أَيْ غَيْرُ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِسَدِيدٍ، فَإِنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ وَلِهَذَا عَطَفَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ فِيمَا قَبْلُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْعِتْقَ الْمُوقَعَ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ بِمَوْتِ الْمُوصِي كَالتَّدْبِيرِ الصَّحِيحِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْعِتْقَ الْمُعَلَّقَ أَيْضًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ عِنْدَنَا. فَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَغَيْرُهُ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ: أَيْ غَيْرُ الْعِتْقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُوقَعُ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِمَوْتِ الْمُوصِي فَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى، وَاللَّفْظُ أَيْضًا يُسَاعِدُهُ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ الْعِتْقَ الَّذِي يَعُمُّ الْعِتْقَ الْمُوقَعَ وَالْمُعَلَّقَ كَمَا تَرَى (قَوْلُهُ وَإِذَا قَدَّمَ ذَلِكَ فَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ سِوَاهُمَا مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ يَسْتَوِي فِيهِ مَنْ سِوَاهُمَا: أَيْ سِوَى الْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ.
أَقُولُ: فِيهِ سَمَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، فَإِنَّ كَلِمَةَ " مَنْ " فِي قَوْلِهِ " مَنْ سِوَاهُمَا " تَأْبَى هَذَا التَّفْسِيرَ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْوَصَايَا بَعْدَ قَوْلِهِ مَنْ سِوَاهُمَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى. فَالْوَجْهُ فِي تَفْسِيرِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: أَيْ سِوَى الْمُعْتَقِ وَاَلَّذِي حُوبِيَ لَهُ أَوْ سِوَى أَهْلِ الْعِتْقِ وَالْمُحَابَاةِ. نَعَمْ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ فِي تَفْسِيرِ الشَّارِحِينَ الْمَزْبُورِينَ وَهُوَ لَفْظُ الْأَهْلِ أَوْ لَفْظُ الصَّاحِبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي مَقَامِ التَّفْسِيرِ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّفْسِيرِ الْكَشْفُ وَالْبَيَانُ لَا الْإِخْفَاءُ وَالتَّعْمِيَةُ، فَبَقِيَتْ السَّمَاجَةُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمَذْكُورِ لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ الْخِلَافِيَّةِ: وَهِيَ الَّتِي قُدِّمَ فِيهَا الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: هَذَا شَرْحٌ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي كِلْتَا الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَهُمَا الَّتِي قُدِّمَ فِيهَا الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ وَاَلَّتِي قُدِّمَ فِيهَا الْعِتْقُ عَلَى الْمُحَابَاةِ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِهِمَا، وَكَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ قِبَلِهِ يَتَمَشَّيَانِ فِي تَيْنِك الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا بِلَا كُلْفَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي مُسْكَةٍ، فَلَا وَجْهَ لِتَفْسِيرِ الْخِلَافِيَّةِ هُنَا بِمَا يَخُصُّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْهُمَا، وَالصَّوَابُ فِي بَيَانِهَا أَنْ يُقَالَ: وَهِيَ الَّتِي اجْتَمَعَ فِيهَا الْعِتْقُ وَالْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ قُدِّمَ الْعِتْقُ عَلَى الْمُحَابَاةِ أَوْ قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الْعِتْقِ (قَوْلُهُ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي الثُّبُوتِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute