وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى، فَقَضِيَّتُهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا إلَّا أَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ فَيُدْفَعُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ أَسْبَقُ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الِاسْتِنَادِ فَيَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّة، وَلَا يُمْكِنُ إسْنَادُ الْعِتْقِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ مَجَّانًا فَتَجِبُ السِّعَايَةُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ. (فَصْلٌ)
مُطْلَقًا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَا اتِّجَاهَ لِذَلِكَ السُّؤَالِ. وَفِي دَفْعِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفَوَائِدِ الْحُمَيْدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْكُلِّ أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ الثَّانِيَةَ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُولَى وَالْعِتْقَ مُسَاوٍ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ مُسَاوِيًا لِلْأُولَى لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ لِلْمُسَاوَى مُسَاوٍ. قُلْنَا: الْعِتْقُ مُسَاوٍ لِلثَّانِيَةِ بِمَعْنًى يَخُصُّهُ وَهُوَ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهَا فَلَا يُسَاوِي الْأُولَى، وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ إشْكَالٍ آخَرَ. وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْمُحَابَاةُ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ عَلَى الْعِتْقِ وَالثَّانِيَةُ مُسَاوِيَةٌ لِلْأُولَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ عَلَى الْعِتْقِ كَالْأُولَى لِأَنَّ الْمُسَاوِيَ لِلرَّاجِحِ رَاجِحٌ، لِمَا مَرَّ أَنَّ رُجْحَانَ الْأُولَى بِمَعْنًى يَخُصُّهَا وَهُوَ تَقَدُّمُهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّهَا مُسَاوِيَةٌ لِلْعِتْقِ وَالْعِتْقُ مَرْجُوحٌ وَالْمُسَاوِي لِلْمَرْجُوحِ مَرْجُوحٌ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الْحُمَيْدِيَّةِ اهـ فَتَأَمَّلْ.
(فَصْلٌ) تَرْجَمَ هَذَا الْفَصْلَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ بِبَابِ الْوَصَايَا إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ بَابَ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ لِقُوَّةِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ بِخِلَافِ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute