للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا مِثْلَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ) لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ (فَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالزَّكَاةِ وَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْحَجَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.

قَوْلُهُ وَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ مِنْهَا قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا) أَقُولُ: يُشْكِلُ إطْلَاقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَرَضِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْمُوصِي عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَمَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ نَفْسُهُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ) أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُنَافِي قَوْلَهُ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا إذْ عَلَى تَقْدِيرِ إنْ أَخَّرَ الْفَرَائِضَ تَكُونُ بُدَاءَتُهُ بِالنَّافِلَةِ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ هُنَاكَ بِالْأَهَمِّ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَهَمَّ هُوَ الْفَرَائِضُ فَكَيْفَ يَتَمَشَّى هُنَاكَ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُدَاءَةِ فِي قَوْلِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ هُوَ الْبُدَاءَةُ فِي الْإِعْطَاءِ وَالتَّمْلِيكِ لَا الْبُدَاءَةُ فِي الذِّكْرِ وَالتَّلَفُّظِ؛ فَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي الْبُدَاءَةُ فِي الْإِعْطَاءِ وَالتَّمْلِيكِ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ فِي الذِّكْرِ وَالتَّلَفُّظِ. وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبُدَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ بُدَاءَةَ مَنْ يُنَفِّذُ وَصَايَاهُ وَيُؤَدِّيهَا إلَى مَحَلِّهَا مِنْ الْوَصِيِّ وَالْقَاضِي وَنَحْوِهِمَا لَا بُدَاءَةَ نَفْسِهِ. فَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُوصِي أَنْ يَقْصِدَ بُدَاءَةَ مَنْ يُنَفِّذُ وَصَايَاهُ وَيَصْرِفُهَا إلَى مَحَلِّهَا بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ فِي الشَّرْعِ مِنْ بَيْنِ مَا ذَكَرَهُ نَفْسَهُ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ تَسَاوَتْ فِي الْقُوَّةِ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ) يَعْنِي إنْ تَسَاوَتْ الْوَصَايَا الَّتِي مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُوَّةِ بِأَنْ كَانَ كُلُّهَا فَرَائِضَ أَوْ وَاجِبَاتٍ أَوْ نَوَافِلَ بُدِئَ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي إذَا ضَاقَ عَنْهَا الثُّلُثُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>