وَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمَا وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْفَرِيضَةِ فَالزَّكَاةُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعِبَادِ فَكَانَ أَوْلَى. وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْحَجَّ يُقَامُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ وَالزَّكَاةُ بِالْمَالِ قَصْرًا عَلَيْهِ فَكَانَ الْحَجُّ أَقْوَى، ثُمَّ تُقَدَّمُ الزَّكَاةُ وَالْحَجُّ عَلَى الْكَفَّارَاتِ لِمَزِيَّتِهِمَا عَلَيْهَا فِي الْقُوَّةِ، إذْ قَدْ جَاءَ فِيهِمَا مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَأْتِ فِي الْكَفَّارَاتِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى
الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَهَمِّ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: فِي تَمَامِ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَهَمَّ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ الْأَقْوَى مِنْهَا، وَالْمَفْرُوضُ فِي وَضْعِ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ تَسَاوِي تِلْكَ الْحُقُوقِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَهَمِّيَّةُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ وُجِدَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهَا فِي الْقُوَّةِ مِنْ جِهَةِ بُعْدِ تَسَاوِيهَا فِي الْقُوَّةِ مِنْ جِهَةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ الْوُجُوبِ أَوْ التَّنَفُّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَهَمُّهَا مَا هُوَ أَقْوَاهَا فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمُوصِي، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَهَمِّ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ مَا هُوَ الْأَهَمُّ: أَيْ الْأَقْوَى فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهِ، إذْ لَا يَهْتَدِي كُلُّ أَحَدٍ إلَى مَعْرِفَةِ مَا هُوَ الْأَقْوَى فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ مِنْ بَيْنِ الْفَرَائِضِ أَوْ الْوَاجِبَاتِ أَوْ النَّوَافِلِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ ابْتِدَاؤُهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْأَهَمِّ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الْمُبْتَدِئِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ فَيَكُونُ الظَّاهِرُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِهِ فَمُسَلَّمٌ، لَكِنَّ كَوْنَ مِثْلِ هَذَا الظَّاهِرِ مُوجِبًا لِلْبُدَاءَةِ فِي التَّنْفِيذِ وَالْأَدَاءِ بِمَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي فِي الذِّكْرِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَوْنِ مَا أَخَّرَهُ أَهَمَّ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ غَيْرُ وَاضِحٍ، فَإِنَّ كَوْنَ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ مُتَحَقِّقٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُنَا أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ هُنَاكَ بَلْ عَمِلَ هُنَاكَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَ الشَّرْعِ حَيْثُ قُدِّمَتْ الْفَرَائِضُ سَوَاءٌ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا فَلْيَتَدَبَّرْ فِي الدَّفْعِ.
ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ قَصَدَ تَفْصِيلَ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَقَامِ وَضَبَطَهَا فَقَالَ: ثُمَّ الْوَصَايَا إمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ كُلُّهَا لِلْعِبَادِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً تُقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى إمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ وَاجِبَاتٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ كُلُّهُ تَطَوُّعًا كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَمَا أَشْبَهَهَا، أَوْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ تَنْفُذُ وَصَايَاهُ كُلُّهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَإِنْ كَانَ كُلُّهَا لِلَّهِ وَهِيَ فَرَائِضُ كُلُّهَا أَوْ وَاجِبَاتٌ كُلُّهَا أَوْ تَطَوُّعٌ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ يَبْدَأُ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا، مِثْلُ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ، لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ أَهَمُّ مِنْ النَّافِلَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْبُدَاءَةُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ اهـ كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِي تَقْرِيرِهِ خَلَلٌ، لِأَنَّ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا إمَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْوَصَايَا الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالنَّوَافِلِ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى مُطْلَقِ الْوَصَايَا جَامِعَةً كَانَتْ بَيْنَهَا أَوْ غَيْرَ جَامِعَةٍ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْأُولَى كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا فَسَاقَ كَلَامَهُ إلَخْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ كُلُّهَا لِلَّهِ وَهِيَ فَرَائِضُ أَوْ وَاجِبَاتٌ كُلُّهَا أَوْ تَطَوُّعٌ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ، لِأَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي كُلُّهَا فَرَائِضُ وَاَلَّتِي كُلُّهَا وَاجِبَاتٌ وَاَلَّتِي كُلُّهَا تَطَوُّعٌ قَسِيمَاتٌ لِلْوَصَايَا الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا كَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَبْلُ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَجْعَلَ هُنَا قِسْمًا مِنْهَا، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الثَّانِيَةِ فَمَعَ كَوْنِهِ مِمَّا يَأْبَاهُ سِيَاقُ كَلَامِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَقْسَامِ مَعَ أَحْكَامِهَا مُهْمَلًا مَتْرُوكًا فِي مَقَامِ التَّفْصِيلِ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ الْوَصَايَا كُلُّهَا فَرَائِضَ أَوْ وَاجِبَاتٍ أَوْ نَوَافِلَ وَالثُّلُثُ يَحْتَمِلُ الْكُلَّ أَوْ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ.
وَلَكِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِيمَا قَبْلُ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا بَعْدُ أَصْلًا فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَسْطِ وَالْبَيَانِ وَهُوَ الضَّبْطُ وَالْجَمْعُ، ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا، وَلَوْ سَلَكَ فِي التَّقْرِيرِ مَسْلَكَ غَيْرِهِ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْوَصَايَا كُلِّهَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثُ مَالِهِ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَسَاقَ كَلَامَهُ إلَخْ لَسَلِمَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute