للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنِيبَ غَيْرَهُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ فَبَقِيَ مُخَيَّرًا، فَلَوْ أَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَدْ لَزِمَتْهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ الِالْتِزَامِ وَالْقَبُولُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوِصَايَةِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِحَالِ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمَيِّتِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ.

أَمَّا التَّوْكِيلُ إنَابَةٌ لِثُبُوتِهِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُنِيبِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ.

التَّعْلِيلُ يُنْتَقَضُ بِصُورَةِ رَدِّ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّ الْمُوصِيَ حَيٌّ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رَدُّ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ فِي غَيْرِ وَجْهِ الْمُوصِي بَعْدَ أَنْ قَبِلَهَا فِي وَجْهِهِ لَا فِي حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْإِيصَاءِ إلَى أَحَدٍ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ، فَالتَّصَرُّفُ الَّذِي يَرْفَعُهُ الْمُوصِي إلَى الْوَصِيِّ إنَّمَا هُوَ التَّصَرُّفُ الْكَائِنُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ فِي حَيَاتِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ الْحَاصِلِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقَادِرٍ عَلَيْهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ فَلَا انْتِقَاضَ. نَعَمْ إنَّهُ يَقْدِرُ فِي حَيَاتِهِ عَلَى الْإِيصَاءِ إلَى الْآخَرِ بَدَلَ الْأَوَّلِ إذَا عَلِمَ رَدَّ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ رَدِّ الْوَصِيِّ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِوَجْهِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ فِي الشُّرُوحِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوِرَاثَةِ) أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِخِلَافَةٍ ضَرُورِيَّةٍ كَالْوِرَاثَةِ بَلْ هِيَ خِلَافَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا الْمُوصِي إلَيْهِ وَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ قَبِلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ كَمَا مَرَّ فِي الْكِتَابِ آنِفًا، فَإِذَا كَانَتْ خِلَافَةً يَتَوَقَّفَ ثُبُوتُهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْمُوصِي إلَيْهِ إيَّاهَا فَعَدَمُ تَوَقُّفِ ثُبُوتِهَا عَلَى عِلْمِ الْمُوصِي إلَيْهِ بِهَا مُشْكِلٌ جِدًّا، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ اخْتِيَارَ شَيْءٍ وَقَبُولَهُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ مُتَعَسِّرٌ بَلْ مُتَعَذِّرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا طَرِيقَ الْعِلْمِ وَشَرْطَ الْإِخْبَارِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكُتُبِ) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: وَمِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ مِنْ كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَمَنْ أَعْلَمَهُ النَّاسُ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ، وَلَا يَكُونُ النَّهْيُ

<<  <  ج: ص:  >  >>