الْمُوصِي إلَّا بِالْمُثَنَّى وَلَيْسَ الْوَاحِدُ كَالْمُثَنَّى، بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِنْكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَالِكَ الْقَرَابَةُ وَقَدْ قَامَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمُلَا، وَلِأَنَّ الْإِنْكَاحَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا عَلَى الْوَلِيِّ، حَتَّى لَوْ طَالَبَتْهُ بِإِنْكَاحِهَا مِنْ كُفُؤٍ يَخْطُبُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَهَاهُنَا حَقُّ التَّصَرُّفِ لِلْوَصِيِّ، وَلِهَذَا يَبْقَى مُخَيَّرًا فِي التَّصَرُّفِ، فَفِي الْأَوَّلِ أَوْفَى حَقًّا عَلَى صَاحِبِهِ فَصَحَّ، وَفِي الثَّانِي اسْتَوْفَى حَقًّا لِصَاحِبِهِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلُهُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِمَا وَلَهُمَا، بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ لَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ، وَمَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ أَبَدًا، وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتِهَا.
فَقَالَ (إلَّا فِي شِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ عِنْدَ ذَلِكَ (وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ) لِأَنَّهُ يَخَافُ مَوْتَهُمْ جُوعًا وَعُرْيًا (وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمَالِكُ، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ
وُجُودِ الْوَصِيَّةِ إلَيْهِمْ انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَأَخَوَاتُهَا) يَعْنِي وَهِيَ: أَيْ الْأَشْيَاءُ الْمَعْدُودَةُ مَا اسْتَثْنَاهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِقَوْلِهِ إلَّا فِي شِرَاءِ كَفَنِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ، وَطَعَامِ الصِّغَارِ وَكِسْوَتِهِمْ، وَرَدِّ وَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا، وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَالْخُصُومَةِ فِي حُقُوقِ الْمَيِّتِ انْتَهَى.
وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ كَمَا تَرَى قَصَرَ الْقُدُورِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَيْهَا فِي مُخْتَصَرِهِ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبِدَايَةِ، وَقَوْلُهُ هُنَا وَأَخَوَاتُهَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَا " فِي قَوْلِهِ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ: أَيْ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي هِيَ أَخَوَاتُ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ مَا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ بِقَوْلِهِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، وَهَذِهِ الَّتِي زَادَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ، فَيَصِيرُ مَجْمُوعُ الْأَشْيَاءِ الْمَعْدُودَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا لَا يَخْفَى. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحَلِّ: قَوْلُهُ وَهِيَ مَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ: أَيْ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَمَا سَبَقَ، وَقَوْلُهُ وَأَخَوَاتُهَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَا " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ أُخَرُ وَهِيَ مَا ذَكَرْته فِيمَا سَبَقَ: يَعْنِي قَوْلَهُ وَزَادَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ رَدَّ الْمَغْصُوبِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ.
وَقَالَ: ثُمَّ إنْ جَعَلْنَا شِرَاءَ الْكَفَنِ وَالتَّجْهِيزَ وَاحِدًا كَمَا جُعِلَ فِي الْأَسْرَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ دَاخِلٌ فِي الثَّانِي، وَكَذَا رَدُّ الْمَغْصُوبِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا يَكُونُ الْمُسْتَثْنَى فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَحَدَ عَشَرَ، وَمَا زَادَهُ ثَلَاثَةٌ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ الْأَخَوَاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مَعَ كَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ الْغَفْلَةِ عَمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْآخَرِ مِنْ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَبَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفُ، وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ مُخْتَلٌّ فِي ذَاتِهِ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَحَدَ عَشَرَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا زَادَهُ اثْنَيْنِ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَا زَادَهُ ثَلَاثَةً، لِأَنَّ زِيَادَةَ الثَّلَاثَةِ عَلَى الِاثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْمُوعُ بِزِيَادَةِ الِاثْنَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ وَبِزِيَادَةِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِزِيَادَةِ الثَّلَاثَةِ اثْنَيْ عَشَرَ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ وَطَعَامُ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَطَعَامُ الصِّغَارِ وَكِسْوَتُهُمْ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَرَدُّ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا، وَرَدُّ الْمَغْصُوبِ، وَالْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا، وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ، وَقَضَاءُ الدُّيُونِ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْجَرِّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا، وَعِتْقُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، وَالْخُصُومَةُ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ، وَبَيْعُ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى، وَجَمْعُ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ، كُلُّ ذَلِكَ بِالْجَرِّ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ مَا يُسَاعِدُهُ تَحْرِيرُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْإِعْرَابِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ الْمَزْبُورِ، لَكِنَّهُ مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ فِي كِتَابِهِ هَذَا وَاقِعٌ فِي حَيِّزِ قَالَ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَتِرَ فِي قَوْلِهِ فَقَالَ رَاجِعٌ إلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِيمَا اسْتَثْنَاهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْقُدُورِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ مُخْتَصَرُهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْأُمُورِ الْمَعْطُوفَةِ عَلَى شِرَاءِ الْكَفَنِ بِالْجَرِّ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ مَقُولِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا كَمَا عَرَفْته مِمَّا بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فَقَالَ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute