للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِعَانَةِ. وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ بِعَيْنِهَا وَعِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ (وَالْخُصُومَةِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ) لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِيهَا مُتَعَذِّرٌ وَلِهَذَا يَنْفَرِدُ بِهَا أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ (وَقَبُولِ الْهِبَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خِيفَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ الْأُمَّ وَاَلَّذِي فِي حِجْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ (وَبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى وَالتَّلَفَ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً لَا تُخْفَى (وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ) لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ، وَلِأَنَّهُ يُمَلِّكُهُ كُلَّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ.

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَلَيْسَ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَقَاضَى، وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ، كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فِي الْقَبْضِ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ قِيلَ يَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلَيْنِ إذَا وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ فَقَدْ رَضِيَ بِرَأْيِ الْوَاحِدِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ

فِي شِرَاءِ الْكَفَنِ إلَخْ عَلَى تَغْلِيبِ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ بِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: قَوْلُهُ وَحِفْظُ الْمَالِ بِالرَّفْعِ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ لِقَوْلِهِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ: يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ يَمْلِكُ قَضَاءَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَّا حِفْظُ الْمَالِ إلَى أَنْ يَقْضِيَ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَكُلُّ مَنْ يَقَعُ الْمَالُ فِي يَدِهِ فَهُوَ يَمْلِكُ حَقَّهُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَهَبَا إلَيْهِ تَكَلُّفٌ بَارِدٌ، بَلْ تَعَسُّفٌ فَاسِدٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ وَقَضَاءُ الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحِفْظِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ قَبِيلَهُ وَحِفْظِ الْأَمْوَالِ، فَكَيْفَ يَتِمُّ حِينَئِذٍ تَوْجِيهُ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ الْمَزْبُورَانِ. وَالصَّوَابُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَحِفْظُ الْمَالِ يَمْلِكُهُ مَنْ يَقَعُ فِي يَدِهِ مَسُوقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ مِنْ قَبْلُ وَحِفْظُ الْأَمْوَالِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالتَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ) أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ يُوهِمُ أَنْ لَا يَكُونَ الِاقْتِضَاءُ الَّذِي هُوَ الْقَبْضُ مَعْنَى التَّقَاضِي فِي الْوَضْعِ وَاللُّغَةِ، بَلْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْعُرْفِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ حَيْثُ قَالَ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عَلَى أَصْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَضْعًا، إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ وَهُوَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ انْتَهَى. وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فِي الْوَضْعِ مَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ: قَبَضَهُ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الْأَسَاسِ: تَقَاضَيْته دَيْنِي وَبِدَيْنِي وَاقْتَضَيْته دَيْنِي وَاقْتَضَيْت مِنْهُ حَقِّي: أَيْ أَخَذْته انْتَهَى. ثُمَّ أَقُولُ فِي الْجَوَابِ: لَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ كَذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي عُرْفِهِمْ نَفْيَ كَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي اللُّغَةِ وَالْوَضْعِ، بَلْ بَيَانُ أَنَّ عُرْفَهُمْ يُطَابِقُ اللُّغَةَ وَالْوَضْعَ. وَفَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنْ يُقَالَ كَوْنُ مَعْنَى التَّقَاضِي الِاقْتِضَاءُ فِي الْوَضْعِ غَيْرُ كَافٍ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ عَلَى الْوَضْعِ: أَيْ رَاجِحٌ عَلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: بَقِيَ الْمُخَالَفَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَبَيْنَ كَلَامِهِ هُنَاكَ إلَّا أَنَّ الْعَارِفَ بِخِلَافِهِ. قُلْت: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَانَ كَذَا فِي عُرْفِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَمُرَادُهُ هُنَاكَ أَنَّ الْعُرْفَ بِخِلَافِهِ فِي زَمَانِنَا أَوْ فِي دِيَارِنَا، وَلَا غَرْوَ فِي اخْتِلَافِ الْعُرْفَيْنِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الزَّمَانَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمُحِيطِ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ: الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. ثُمَّ قَالَ: وَذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالتَّقَاضِي فِي عُرْفِ دِيَارِنَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ كَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي دِيَارِنَا، وَجَعَلَ التَّقَاضِي مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُطَالَبَةِ مَجَازًا لِأَنَّهُ سَبَبُ الِاقْتِضَاءِ وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ الِاقْتِضَاءُ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>