(كِتَابُ الْخُنْثَى)
مُثْبِتَةٌ لِلشَّرِكَةِ. وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالدَّيْنِ انْتَهَى تَدَبَّرْ تَفْهَمْ. ثُمَّ إنَّ الْحَقَّ أَنْ تُثَلَّثَ الْقِسْمَةُ هُنَا كَمَا فَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ شَهِدَ هَذَانِ لِهَذَيْنِ وَهَذَانِ لِهَذَيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ لَا تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي وَجْهٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ، ثُمَّ فَصَّلَ كُلَّ وَجْهٍ بِأَمْثِلَتِهِ وَدَلِيلِهِ. وَكَمَا فَصَّلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ حَيْثُ قَالَ: وَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ: أَحَدُهَا مَا لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّانِي مَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالثَّالِثُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا تَأَمَّلْ
(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ)
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْمَبَالِ مِنْ آلَتَيْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ فِيهِ، وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَوَّلِ لِمَا أَنَّ الْوَاحِدَ قَبْلَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَعَمُّ وَالْأَغْلَبُ وَهَذَا كَالنَّادِرِ فِيهِ انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ السَّالِفَةِ مِنْ الْأَحْكَامِ لَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِمَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ، بَلْ يَعُمُّ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَنْ لَهُ آلَتَانِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَارَّةَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مَثَلًا جَارِيَةٌ بِأَسْرِهَا فِي حَقِّ الْخُنْثَى أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْحَالُ فِي أَحْكَامِ سَائِرِ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ كُلِّهَا أَوْ جُلِّهَا، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَةٌ وَاحِدَةٌ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ لَيْسَ بِتَامٍّ، إذْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِكِتَابِ الْخُنْثَى فَصْلَيْنِ، وَوَضَعَ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ لِبَيَانِهِ وَالْفَصْلَ الثَّانِيَ لِأَحْكَامِهِ حَيْثُ قَالَ: فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ. ثُمَّ قَالَ: فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ، فَهُوَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنَّمَا شَرَعَ حَقِيقَةً فِي بَيَانِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ لَا فِي بَيَانِ أَحْكَامِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَحْكَامَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ بَيَانَ نَفْسِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ شَرَعَ فِي أَحْكَامِهِ أَيْضًا بِتَأْوِيلٍ مَا فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ الشُّرُوعِ بِالثَّانِي فِي قَوْلِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ مَنْ لَهُ آلَتَانِ، وَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِعِنَايَةٍ فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ مَنْ غَلَبَ وُجُودُهُ ذَكَرَ أَحْكَامَ مَنْ هُوَ نَادِرُ الْوُجُودِ اهـ.
أَقُولُ: يَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ الْبَحْثِ الْأَوَّلِ بَلْ بَعْضُ الْبَحْثِ الثَّانِي أَيْضًا فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: أَخَّرَ كِتَابَ الْخُنْثَى لِوُقُوعِهِ نَادِرًا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَخْصٍ آلَةٌ وَاحِدَةٌ، إمَّا آلَةُ الرَّجُلِ، وَإِمَّا آلَةُ الْأُنْثَى، وَاجْتِمَاعُ الْآلَتَيْنِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، وَلَكِنْ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ حُكْمِهِ، فَلِأَجْلِ هَذَا ذَكَرَهُ وَأَخَّرَهُ عَنْ سَائِرِ الْكُتُبِ لِنُدْرَتِهِ وَقِلَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ بَيَانُهُ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا جَيِّدٌ إلَّا قَوْلُهُ وَقِلَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَيَانِهِ، فَإِنَّ مَا يَكُونُ نَادِرَ الْوُقُوعِ وَخِلَافَ الْمُعْتَادِ يَكُونُ أَحْوَجَ إلَى الْبَيَانِ لِكَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ الْأَذْهَانِ مَوْقُوفًا حَالُهُ عَلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمِنْ مَحَاسِنِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى تَرْكُ الْإِهْمَالِ فِي الْبَيَانِ وَإِنْ نَدَرَ وُجُودُهُ فِي الْأَزْمَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute