للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ)

قَالَ (وَإِذَا كَانَ لِلْمَوْلُودِ فَرْجٌ وَذَكَرٌ فَهُوَ خُنْثَى، فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الذَّكَرِ فَهُوَ غُلَامٌ، وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ الْفَرْجِ فَهُوَ أُنْثَى) «لِأَنَّ النَّبِيَّ سُئِلَ عَنْهُ كَيْفَ يُورَثُ؟ فَقَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ» وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ. وَلِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ الصَّحِيحُ وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ (وَإِنْ بَال مِنْهُمَا فَالْحُكْمِ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ (وَإِنْ كَانَا فِي السَّبْقِ عَلَى السَّوَاءِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَا: يُنْسَبُ إلَى أَكْثَرِهِمَا بَوْلًا) لِأَنَّهُ عَلَامَةُ قُوَّةِ

(فَصْلٌ فِي بَيَانِهِ)

قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ الْفَصْلُ إنَّمَا يَذْكُرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ نَوْعِ مُغَايِرَةٍ بَيْنَهُمَا، وَهَاهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْفَصْلِ. قُلْت: كَلَامُهُ فِي قُوَّةِ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْكِتَابُ فِيهِ فَصْلَانِ: فَصْلٌ فِي بَيَانِ الْخُنْثَى وَفَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ، وَمَا ذَكَرْت فَإِنَّمَا هُوَ فِي وُقُوعِهِ فِي التَّفْصِيلِ لَا فِي الْإِجْمَالِ اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ: وَلَك أَنْ تَقُولَ انْفِصَالُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَنْ أُخْرَى مِنْهَا يَسْتَلْزِمُ انْفِصَالَ الْأُخْرَى عَنْ الْأُولَى، فَإِذَا عُنْوِنَتْ الثَّانِيَةُ بِالْفَصْلِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ كَانَ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ تَعْنُونِ الْأُولَى بِهِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَادَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا إشَارَةً فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَى أَنَّ هُنَا فَصْلًا آخَرَ يُذْكَرُ بُعَيْدَهُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ فَصْلٌ فِي أَحْكَامِهِ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا كَلَامٌ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ السَّدَادِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْفَصْلَ إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ لِقَطْعِهِ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ مُطْلَقًا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَقَدَّمْ شَيْءٌ فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْفَصْلِ؟ فَاسْتِلْزَامُ انْفِصَالِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ عَنْ أُخْرَى مِنْهَا انْفِصَالُ الْأُخْرَى عَنْ الْأُولَى إنَّمَا يَقْتَضِي تَحَقُّقَ مَعْنَى الِانْفِصَالِ مُطْلَقًا فِي الْأُولَى لَا تَحَقُّقَ الِانْفِصَالِ عَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْأُولَى أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْفَصْلُ إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَطْعِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ آخَرَ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ كَيْفَ يَحْصُلُ بِالتَّصْرِيحِ بِالْفَصْلِ هُنَا الْإِشَارَةُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ إلَى هُنَا فَصْلًا آخَرَ يُذْكَرُ بُعَيْدَهُ وَذِكْرُ فَصْلٍ لَا يَقْتَضِي ذِكْرَ فَصْلٍ آخَرَ لَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الْعُرْفِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَقْتَضِيَ ذِكْرُ فَصْلٍ فِي أَحْكَامِهِ ذِكْرَ فَصْلٍ آخَرَ أَيْضًا بُعَيْدَهُ وَلَمْ يُذْكَرْ بَعْدَهُ فَصْلٌ آخَرُ قَطْعًا، وَعَنْ هَذَا تَرَاهُمْ يَذْكُرُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَصْلًا وَاحِدًا وَلَا يَذْكُرُونَ بَعْدَهُ فَصْلًا آخَرَ أَصْلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>