. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اشْتَرَاهُ مِلْكُ الْبَائِعِ لَمَا بَاشَرَ الشِّرَاءَ اخْتِيَارًا وَكَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي قَبُولِ الْهِبَةِ، بِخِلَافِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْوَارِثِ جَبْرًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَلِذَلِكَ يَحْلِفُ الْوَارِثُ بِالْعِلْمِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ بِالْبَتَاتِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ أَيْضًا مِنْ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ، وَهُوَ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ أَوْ الْبَتَاتِ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّحْلِيفَ إنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ. فَإِنْ قِيلَ: أَنَّى يَسْتَقِيمُ هَذَا. لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ إبَاقَ عَبْدٍ قَدْ بَاعَهُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْإِبَاقَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّ الْإِبَاقَ فِعْلُ غَيْرِهِ؟ قُلْنَا: لِلْمُدَّعِي يَدَّعِي عَلَيْهِ تَسْلِيمَ غَيْرِ السَّلِيمِ عَنْ الْعَيْبِ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَأَنَّهُ فِعْلُ نَفْسِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ فُصُولِهِ: وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ التَّحْلِيفِ فَنَقُولُ: إنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى فِعْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِأَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّك سَرَقْت هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي أَوْ غَصَبْت هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ، وَإِنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، حَتَّى لَوْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ بِحَضْرَةِ وَارِثِهِ بِسَبَبِ الِاسْتِهْلَاكِ أَوْ ادَّعَى أَنَّ أَبَاك سَرَقَ هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي أَوْ غَصَبَ هَذَا الْعَيْنَ مِنِّي يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى أَنَّ الْعَبْدَ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَلِيمًا عَنْ الْعُيُوبِ وَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ.
وَكَانَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ يَزِيدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ حَرْفًا، وَهُوَ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ، إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا يَتَّصِلُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، خَرَجَ عَلَى هَذَا فَصْلُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَتَّصِلُ بِهِ، لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَبْدِ سَلِيمًا وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى فِعْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ وَعَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ بِأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنِّي اسْتَأْجَرْت مِنِّي اسْتَقْرَضْت مِنِّي، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ فِعْلُهُ وَفِعْلُ غَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَقُومُ بِاثْنَيْنِ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الَّذِي اُسْتُحْلِفَ: لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: لِي عِلْمٌ بِذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: قَبَضَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَةَ مِنِّي فَإِنَّهُ يُحَلِّفُ الْمُودِعَ عَلَى الْبَتَاتِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ الثَّمَنَ وَجَحَدَ الْمُوَكِّلُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ الْمُشْتَرِي وَيَحْلِفُ الْوَكِيلُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ، وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ، وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ يَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ عِلْمًا بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَكَانَ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ، إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، ذَكَرَ الْإِمَامُ اللَّامِشْتِيُّ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ النُّكُولُ، وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَى الْعِلْمِ وَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَلِفُ عَلَى الْعِلْمِ، وَلَوْ نَكَلَ يَقْضِي عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ أَقْوَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْفُصُولِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ: ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يَقْضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ، وَيَقْضِيَ عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْعَكْسِ انْتَهَى. وَفِيهِ بَحْثٌ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْهُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي، بَلْ اللَّائِقُ أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ فَفِي الْحَلِفِ عَلَى الْبَتَاتِ أَوْلَى. وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهَا إذْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يَقْضِي عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ، إلَى هُنَا كَلَامُ ذَلِكَ الْقَائِلِ. وَأَقُولُ: بَحْثُهُ الثَّانِي مُتَوَجِّهٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ بِإِيرَادِهِ، بَلْ قَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ حَيْثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute