للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَافْتَدَى يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى عَشْرَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ) وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ .

ذَكَرَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ: وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُمَا إلَيْهِ الْإِمَامُ عِمَادُ الدِّينِ حَيْثُ قَالَ فِي فُصُولِهِ: وَرَأَيْت فِيمَا كَتَبْتُهُ مِنْ نُسْخَةِ الْمُحِيطِ فِي فَصْلِ الْمُتَفَرِّقَاتِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي مِنْهُ: فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا، وَإِذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ النُّكُولُ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَّفَهُ عَلَى الْبَتَاتِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَلِفُ لِأَنَّ الْبَتَاتَ أَقْوَى، وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ يَقْضِي عَلَيْهِ.

قُلْت: وَهَذَا الْفَرْعُ مُشْكِلٌ انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُرَادَهُ بِهَذَا الْفَرْعِ هُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ نَكَلَ عَنْهُ يَقْضِي عَلَيْهِ وَإِنَّ وَجْهَ إشْكَالِهِ تَوَجُّهُ مَا ذَكَرَاهُ. وَأَمَّا بَحْثُهُ الْأَوَّلُ وَجَوَابُهُ فَمَنْظُورٌ فِيهِمَا: أَمَّا الْبَحْثُ فَلِأَنَّ اللَّازِمَ مِنْ النُّكُولِ عَنْ الْحَلِفِ عَنْ الْعِلْمِ أَنْ يَفْهَمَ نُكُولَهُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتَاتِ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ لَا أَنْ يَتَحَقَّقَ النُّكُولُ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْبَتَاتِ بِالْفِعْلِ، وَاَلَّذِي مِنْ أَسْبَابِ الْقَضَاءِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَمَّا الْجَوَابُ فَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِيَقِينٍ كَوْنَ نُكُولِهِ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَالْحُكْمُ أَيْضًا مَا ذُكِرَ، وَلَا يَجْرِي الْجَوَازُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ، عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ، إذْ الْمَحْذُورُ تَكْرَارُ التَّحْلِيفِ لَا تَكْرَارُ الْحَلِفِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَافْتَدَى يَمِينَهُ) أَيْ افْتَدَى الْآخَرُ عَنْ يَمِينِهِ (أَوْ صَالَحَهُ مِنْهَا) أَيْ صَالَحَ الْآخَرُ الْمُدَّعِيَ مِنْ الْيَمِينِ (عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا فَهُوَ) أَيْ الِافْتِدَاءُ أَوْ الصُّلْحُ (جَائِزٌ) فَالِافْتِدَاءُ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ هُوَ مِثْلُ الْمُدَّعِي، وَقَدْ يَكُونُ بِمَالٍ هُوَ أَقَلُّ مِنْ الْمُدَّعِي. وَأَمَّا الصُّلْحُ مِنْ الْيَمِينِ فَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَالٍ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعِي فِي الْغَالِبِ لِأَنَّ الصُّلْحَ يُنْبِئُ عَنْ الْحَطِيطَةِ، وَكِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ الِافْتِدَاءُ عَنْ الْيَمِينِ (مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ.

ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: لِيَحْلِفْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ وَلْيَأْخُذْ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: أَنْصَفَك الْمِقْدَادُ احْلِفْ إنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا، فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِقْدَادُ قَالَ عُثْمَانُ لِعُمَرَ : إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، قَالَ: فَمَا مَنَعَك أَنْ تَحْلِفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>