للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ أَبَدًا) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْك؟ فَقَالَ عُثْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ. فَيَكُونُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي. وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ وَبِهِ نَقُولُ انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمِقْدَادَ إذَا قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ كَيْفَ قَالَ عُثْمَانُ إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، ثُمَّ إنَّ قِصَّةَ الْمِقْدَادِ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، إذْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا النُّكُولُ لَا الِافْتِدَاءُ وَالصُّلْحُ انْتَهَى. وَأَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ بِشِقَّيْهِ، أَمَّا شِقُّهُ الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ سَبْعَةَ آلَافٍ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ لَفْظُ كَانَتْ، لَا أَنَّ الْبَاقِيَ فِي ذِمَّتِهِ الْآنَ سَبْعَةُ آلَافٍ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَضَاءَ أَرْبَعَةِ آلَافٍ إنَّمَا يُنَافِي الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي. فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ إذْ النِّزَاعُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي الْإِيفَاءِ وَالْقَبْضِ دُونَ مِقْدَارِ أَصْلِ الْقَرْضِ كَمَا ذَكَرْتُهُ. قُلْت: الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَدَّعِي إيفَاءَ تَمَامِ الدَّيْنِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ عَلَى عُثْمَانَ وَهُوَ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: بَلْ أَوْفَيْت الْبَعْضَ مِنْهُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَبَقِيَ الْبَعْضُ مِنْهُ فِي ذِمَّتِك وَهُوَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ النِّزَاعُ فِي الْإِيفَاءِ فَرْعَ النِّزَاعِ فِي أَصْلِ مِقْدَارِ الْقَرْضِ، فَتَسْلَمُ الْقِصَّةُ عَنْ تَعَارُضِ طَرَفَيْهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ النَّاظِرُ، وَيَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ. وَأَمَّا شِقُّهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّ الْقِصَّةَ مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ مُدَّعِيًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَصَلَحَ أَنْ يَتَّخِذَهُ الشَّافِعِيُّ دَلِيلًا عَلَى مَذْهَبِهِ وَهُوَ جَوَازُ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، وَإِنْ أَمْكَنَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِنَا، وَإِنَّمَا كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَمُفْتَدِيًا عَنْ يَمِينِهِ بِمَالٍ فِي رِوَايَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ عُثْمَانَ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رِوَايَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ دُونَ رِوَايَةِ بَعْضِهَا، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: وَلَفْظُ الْكِتَابِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ نَقَلَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: فَيَكُونُ دَلِيلًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي.

وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ: قَدْ أَوْضَحَ الْمَرَامَ بِتَفْصِيلِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: قَدْ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ الْكِتَابِ فِي أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَوْ مُدَّعِيًا، فَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ: أَلَا تَحْلِفُ وَأَنْتَ صَادِقٌ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ. وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ دَعْوَى الْمَبْسُوطِ فِي احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ مُدَّعِيًا فَقَالَ: وَحُجَّتُهُ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ ادَّعَى مَالًا عَلَى الْمِقْدَادِ بَيْنَ يَدَيْ عُمَرَ ، إلَى أَنْ قَالَ: لِيَحْلِفْ لِي عُثْمَانُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ تَمَامَ الْقِصَّةِ فَقَالَ: رُوِيَ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ اسْتَقْرَضَ مِنْ عُثْمَانَ سَبْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَضَاهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ. فَتَرَافَعَا إلَى عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: لِيَحْلِفْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا يَقُولُ وَلْيَأْخُذْ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَقَالَ عُمَرُ لِعُثْمَانَ: أَنْصَفَك الْمِقْدَادُ لِتَحْلِفْ أَنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا، فَلَمْ يَحْلِفْ عُثْمَانُ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمِقْدَادُ قَالَ عُثْمَانُ لِعُمَرَ: إنَّهَا كَانَتْ سَبْعَةَ آلَافٍ، قَالَ: فَمَا مَنَعَك أَنْ تَحْلِفَ وَقَدْ جَعَلَ ذَلِكَ إلَيْك؟ فَقَالَ عُثْمَانُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ ادَّعَى الْإِيفَاءَ عَلَى عُثْمَانَ وَبِهِ نَقُولُ، إلَى هُنَا كَلَامُ صَاحِبِ النِّهَايَةِ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ الَّتِي افْتَدَى عَنْهَا أَوْ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ (أَبَدًا) أَيْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ (لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ) أَيْ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الِافْتِدَاءِ أَوْ الصُّلْحِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يُجْبَرْ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَسَائِرِ الْمُعْتَبَرَاتِ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>