وَلِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ وَهُوَ إلْزَامُ الثَّمَنِ، وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ يَقُولُ أَوَّلًا: يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ» خَصَّهُ بِالذِّكْرِ، وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ التَّقْدِيمُ.
الْوُجُوبِ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ فَكَانَ أَشَدَّ إنْكَارًا، وَعِنْدَ هَذَيْنِ الْمَحْمَلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ لِإِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ الْأَشَدِّ عَلَى الْأَقْدَمِ تَجَوُّزًا مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُمَا (وَلِأَنَّهُ يَتَعَجَّلُ فَائِدَةَ النُّكُولِ) أَيْ بِالِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي (وَهُوَ) أَيْ فَائِدَةُ النُّكُولِ إلْزَامُ الثَّمَنِ ذَكَرَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ إلَى الْفَائِدَةِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ (إلْزَامُ الثَّمَنِ) أَوْ بِتَأْوِيلِ الْفَائِدَةِ بِالنَّفْعِ (وَلَوْ بُدِئَ بِيَمِينِ الْبَائِعِ تَتَأَخَّرُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ) لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يُؤَخَّرُ إلَى زَمَانِ اسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: امْسِكْ الْمَبِيعَ إلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فَكَانَ تَقْدِيمُ مَا تَتَعَجَّلُ فَائِدَتُهُ أَوْلَى، كَذَا فِي الْكَافِي (وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ) وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَفِي جَامِعِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا (لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ») وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ ﵊ (خَصَّهُ بِالذِّكْرِ) أَيْ خَصَّ الْبَائِعَ بِالذِّكْرِ حَيْثُ قَالَ: فَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْبَائِعُ (وَأَقَلُّ فَائِدَتِهِ) أَيْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ (التَّقْدِيمُ) يَعْنِي أَنَّهُ ﵊ جَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَ الْبَائِعِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِيَمِينِهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُكْتَفَى بِيَمِينِهِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِهِ.
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ جَوَابًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّمَا خَصَّ الْبَائِعَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ يَمِينَ الْمُشْتَرِي مَعْلُومَةٌ لَا تُشْكِلُ لِقَوْلِهِ ﵊ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَسَكَتَ ﷺ عَمَّا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَبَيْنَ مَا يُشْكِلُ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُهُ انْتَهَى.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ ﵊ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» كَمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي دَلِيلٌ أَيْضًا فِي حَقِّ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْكِرُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ الْقَبْضِ. فَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ الْمُنْكِرُ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ الْمُنْكِرُ هُوَ الْبَائِعُ، فَاسْتَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الِانْدِرَاجِ تَحْتَ قَوْلِهِ ﵊ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ وَعَدَمِ الِانْدِرَاجِ تَحْتَهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي إشْكَالِ الْيَمِينِ وَعَدَمِ إشْكَالِهَا، وَتَقَدُّمُ الْبَيَانِ وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ.
ثُمَّ إنَّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ لُزُومِ الِابْتِدَاءِ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ، أَوْ بِيَمِينِ الْبَائِعِ عَلَى الْقَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute