للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَالْمَبِيعُ بَعْدَ إيجَادِ الْعَقْدِ مِلْكُ الْمُشْتَرِي لَا مِلْكُ الْغَيْرِ، بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَاضِ فَإِنَّ الْمُسْتَقْرَضَ لَا يَكُونُ مِلْكَ الْمُسْتَقْرِضِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بَلْ بِالْقَبْضِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. فَالصَّوَابُ فِي تَمْشِيَةِ النَّقْضِ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ أَمْرٌ بِتَمَلُّكِ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ كَمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ الْمَذْكُورِ إنَّ مَحَلَّهُ هُوَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ أَنَّ مَحَلَّ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ هُوَ نَفْسُ الثَّمَنِ فَلَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ بَعْدَ تَمَامِ عَقْدِ الشِّرَاءِ لَا مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ إيجَابُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ حِينَئِذٍ جَوَابُهُ عَنْ الْإِيرَادِ الْآتِي فَإِنَّ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ هُوَ أَنَّهُ هَلَّا جُعِلَ مَحَلُّهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا إيجَابَ الْبَدَلِ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ إيفَاءِ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ إيفَائِهِ هُوَ نَفْسُ الْبَدَلِ لَا إيجَابُهُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ.

بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ الْبَدَلَ فِي بَابِ الْقَرْضِ إنَّمَا يَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِالْقَبْضِ لَا بِعَقْدِ الْقَرْضِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ الْأَمْرِ بِالْقَبْضِ أَوَّلًا حَتَّى يَسْتَقِيمَ الْأَمْرُ بِإِيجَابِ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْأَمْرُ بِالْقَبْضِ لَمْ يَصِحَّ بَعْدُ لِكَوْنِ الْمَقْبُوضِ مِلْكَ الْغَيْرِ. وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ النَّقْضِ بِالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ: إنَّ الْمُسْتَعَارَ وَالْمَوْهُوبَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالْإِعَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا الِاسْتِعَارَةِ وَالِاتِّهَابِ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّهُ إنْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِعَارَةِ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا، وَقَالَ الْوَكِيلُ بِالِاتِّهَابِ: إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَتَّهِبُ مِنْك كَذَا، فَإِنَّهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَانَا مُتَصَرِّفَيْنِ فِي عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا الْكَلَامَ حِينَئِذٍ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بَلْ أَخْرَجَاهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي حُكْمِ الْوَكَالَةِ دُونَ الرِّسَالَةِ، فَإِنَّ الرِّسَالَةَ صَحِيحَةٌ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَوْ أَخْرَجَ كَلَامَهُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ فَقَالَ إنَّ فُلَانًا أَرْسَلَنِي إلَيْك يَسْتَقْرِضُ مِنْك كَذَا كَانَ مَا اسْتَقْرَضَهُ لِلْمُوَكِّلِ، وَلَا يَكُونُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا.

وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ بِالِاسْتِعَارَةِ: أَسْتَعِيرُ مِنْك كَذَا لِفُلَانٍ الْمُوَكِّلِ، وَقَالَ الْوَكِيلُ بِالِاتِّهَابِ أَتَّهِبُ مِنْك كَذَا لِفُلَانٍ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّمَا فِي هَاتِيكَ الصُّورَةِ جَرْيًا عَلَى حُكْمِ وَكَالَتِهِمَا وَلَكِنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُتَصَرِّفَيْنِ فِي عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ أَصْلًا حَيْثُ لَمْ يَحْكِيَا عَنْهُ كَلَامًا، بَلْ إنَّمَا تَكَلَّمَا بِكَلَامِ أَنْفُسِهِمَا إلَّا أَنَّهُمَا أَضَافَا الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِمَا كَمَا فِي سَائِرِ صُوَرِ الضَّرْبِ الثَّانِي، فَأَيْنَ يَتَمَشَّى الْقَوْلُ بِأَنَّ مَحَلَّ التَّوْكِيلِ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْهُ يُخَالِفُ صَرِيحَ مَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَارْتَضَاهُ كِبَارُ الشُّرَّاحِ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ أَنَّ الْمَوْضُوعَ لِنَقْلِ الْعِبَارَةِ إنَّمَا هُوَ الرِّسَالَةُ، فَإِنَّ الرَّسُولَ مُعَبِّرٌ وَالْعِبَارَةُ مِلْكُ الْمُرْسِلِ فَقَدْ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِاعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ.

وَأَمَّا الْوَكَالَةُ فَغَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِنَقْلِ عِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ الْعِبَارَةَ فِيهَا لِلْوَكِيلِ. وَأَمَّا خَامِسًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَالْجَوَابُ إنَّا اعْتَبَرْنَا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ يَلْزَمُ فِي الذِّمَّةِ إلَخْ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْخَلَفِ عَنْ الْبَدَلِ عَلَى تَقْدِيرِ لُزُومِهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَمَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعَاتِ فَلَا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِيَةِ فَلَا مَعْنَى لِحَدِيثِ الْخَلْفِيَّةِ هَاهُنَا.

وَأَيْضًا اسْتِحَالَةُ اجْتِمَاعِ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ إنَّمَا تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ اعْتِبَارِ الْعِبَارَةِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ لَا عَدَمَ جَوَازِ اعْتِبَارِهَا مُطْلَقًا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَيْضًا لِضَرُورَةِ صِحَّةِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ؟ أَلَا يُرَى أَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ مَحَلًّا لِلرِّسَالَةِ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَلِهَذَا صَحَّتْ الرِّسَالَةُ فِيهِ تَأَمُّلٌ. وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالَ بَعْضُهُمْ فِي بَيَانِ بُطْلَانِ اسْتِقْرَاضِ الْوَكِيلِ: إنَّ الْعِبَارَةَ لِلْوَكِيلِ وَالْمَحَلَّ الَّذِي أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ مِلْكُ الْغَيْرِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يَسْتَقْرِضُهَا الْوَكِيلُ مِلْكَ الْمُقْرِضِ، وَالْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ.

قُلْت: هَذَا الَّذِي قَالَ يَبْطُلُ بِالتَّوْكِيلِ بِالِاسْتِعَارَةِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَيْسَ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا فَهِمَهُ هَذَا الْقَائِلُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى نَفْسِهِ، وَقَالَ أَقْرِضْنِي كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا حَتَّى لَا يَكُونَ الْقَرْضُ لِلْمُوَكِّلِ بَلْ يَكُونُ لِلْوَكِيلِ، إلَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى الْمُوَكِّلِ وَبَلَّغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>