. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مَالِهِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَاعْلَمْ أَنِّي أُعِيدُ لَك هَاهُنَا مَا ذَكَرْته فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَأَزِيدُك مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَهُ لِكَوْنِ الْمَقَامِ مِنْ مَعَارِكِ الْآرَاءِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَك فَاحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ سَمَحَ ذِهْنُك بِخِلَافِهِ فَلَا مَلُومَةَ فَإِنَّ جَهْدَ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ: التَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْغَيْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَرُدَّ بِالتَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ هُوَ الثَّمَنُ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مِلْكُهُ. وَأُورِدَ بِأَنَّهُ هَلَّا جُعِلَ مَحَلُّهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ الْبَدَلَ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّ إيفَاءِ الْقَرْضِ لَا الِاسْتِقْرَاضِ. وَأُورِدَ التَّوْكِيلُ بِالِاتِّهَابِ وَالِاسْتِعَارَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلَا مَحَلَّ لَهُ سِوَى الْمُسْتَعَارِ وَالْمَوْهُوبِ إذْ لَيْسَ ثَمَّةَ بَدَلٌ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَيُجْعَلُ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ وَالْمَوْهُوبَ مَحَلُّ التَّوْكِيلِ بِالْإِعَارَةِ وَالْهِبَةِ لَا الِاسْتِعَارَةُ وَالِاتِّهَابُ، وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِيهِمَا عِبَارَةُ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِجَعْلِهَا مُوجِبَةً لِلْمِلْكِ عِنْدَ الْقَبْضِ بِإِقَامَةِ الْمُوَكِّلِ مَقَامَ نَفْسِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْيَكُنْ فِي الِاسْتِقْرَاضِ كَذَلِكَ. فَالْجَوَابُ أَنَّا اعْتَبَرْنَا الْعِبَارَةَ مَحَلًّا لِلتَّوْكِيلِ فِي الِاسْتِعَارَةِ وَنَحْوِهَا ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعَقْدِ خَلَفًا عَنْ بَدَلٍ يَلْزَمُ فِي الذِّمَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَدَلٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَوْ اعْتَبَرْنَاهَا مَحَلًّا لَهُ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَفِيهِ بَدَلٌ مُعْتَبَرٌ لِلْإِيفَاءِ فِي الذِّمَّةِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَى هُنَا كَلَامُهُ. أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ لِبُطْلَانِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَهُوَ الدَّلِيلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الذَّخِيرَةِ وَمُخْتَارِ جُمْهُورِ الشُّرَّاحِ عَلَى مَا ذَكَرُوا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَيْسَ بِتَامٍّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَالْأَمْرَ بِهِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ وَرِضَاهُ، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِلْكَ الْغَيْرِ أَوْ أَمَرَ بِغَصْبِهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ فَيَجُوزُ قَطْعًا؛ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ لِنَفْسِهِ يَقْبِضُ الْمَالَ الْمُسْتَقْرَضَ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْمُقْرِضِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَكَذَا الْمُسْتَعِيرُ يَقْبِضُ الْمُسْتَعَارَ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْمُعِيرِ وَيَسْتَعْمِلُهُ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ إنَّمَا هُوَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْمُقْرِضِ بِإِذْنِهِ وَرِضَاهُ لَا بِالْجَبْرِ وَالْغَصْبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَيْضًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّدِّ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فِي الشِّرَاءِ مِنْ أَنَّهُ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ وَهُوَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ بَلْ هُوَ أَمْرٌ بِإِيجَادِ الْعَقْدِ، وَقَبْضُ الْمَبِيعِ مِنْ مُتَفَرِّعَاتِ الْعَقْدِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالشِّرَاءِ أَمْرًا بِقَبْضِ الْمَبِيعِ. سَلَّمْنَا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ أَمْرٌ بِقَبْضِ الْمَبِيعِ أَيْضًا لَكِنَّهُ أَمْرٌ بِهِ بَعْدَ إيجَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute