وَأَنَّهُ يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا، وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ، وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ، إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ
بِقَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَنَظَائِرِهِمَا (وَأَنَّهُ) أَيْ الْقَبْضَ (يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَكِيلِ، فَالْحُكْمُ أَيْضًا يُلَاقِي مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ (فَلَا يُجْعَلُ) أَيْ الْوَكِيلُ (أَصِيلًا) لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَقُومُ بِالْقَبُولِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَصِيلًا فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي التَّكَلُّمِ وَكَلَامُهُ مَمْلُوكٌ لَهُ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَقَوْلُهُ فَلَا يُجْعَلُ أَصِيلًا مُقْتَضَاهُ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ. وَيَدْفَعُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا لَاقَى مَحَلًّا مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْوَكِيلِ كَانَ ثَابِتًا لِمَنْ لَهُ الْمَحَلُّ وَالْحُقُوقُ فِيمَا يُثْبِتُ الْحُكْمَ بِالْعِبَارَةِ وَحْدَهَا فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْحُكْمُ الِانْفِصَالَ عَنْهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمُوَكِّلِ بِجَعْلِ الْعِبَارَةِ سِفَارَةً فَفِيمَا احْتَاجَ إلَى الْقَبْضِ أَوْلَى لِضَعْفِهَا فِي الْعَلِيَّةِ انْتَهَى.
أَقُولُ: مَا اسْتِشْكَالُهُ بِشَيْءٍ وَلَا دَفْعُهُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لَمْ يُجْعَلْ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ ثَبَتَ أَيْضًا مَا فِيهِ الْكَلَامُ وَهُوَ عَدَمُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، إذْ قَدْ كَانَ مَبْنَى تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالْوَكِيلِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ، وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِأَنْ يُجْعَلَ الْوَكِيلُ أَصِيلًا فِي الْحُكْمِ، فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ فِي الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ أَصِيلًا فِيهِ تَعَيَّنَ عَدَمُ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِهِ فِيهَا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْبَاعِثَ عَلَى انْتِقَالِ الْحُقُوقِ إلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا لَا يَقْبَلُ الْحُكْمُ الِانْفِصَالَ عَنْ الْعِبَارَةِ لَيْسَ إلَّا كَوْنُ السَّبَبِ إسْقَاطًا مُتَلَاشِيًا، وَالسَّبَبُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلَا مُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. وَأَمَّا الضَّعْفُ فِي الْعَلِيَّةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَدْخَلٌ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ نَفْسِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لَا فِي حَقِّ الِانْتِقَالِ فَتَأَمَّلْ.
(وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ وَكَّلَهُ بِالِاسْتِيهَابِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ الِارْتِهَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا أَيْضًا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ وَالْحُقُوقُ كُلُّهَا بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى مُوَكِّلِهِ. وَفِي الْعِنَايَةِ: أَمَّا إذَا قَبَضَ الْمُوَكِّلُ فَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ لِلْمُوَكِّلِ، وَتَتَعَلَّقُ الْحُقُوقُ بِالْوَكِيلِ لِاجْتِمَاعِ الْقَوْلِ وَالْقَبْضِ. وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ وَهِيَ تَجْعَلُ الْقَبْضَ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ انْتَهَى (وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْمُضَارَبَةُ) يَعْنِي إذَا وَكَّلَ بِعَقْدِ الشَّرِكَةِ أَوْ الْمُضَارَبَةِ يَكُونُ الْوَكِيلُ سَفِيرًا أَيْضًا وَتَتَعَلَّقُ حُقُوقُ الْعَقْدِ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مُوَكِّلِهِ، حَتَّى لَوْ أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ يَقَعُ عَنْهُ لَا عَنْ مُوَكِّلِهِ (إلَّا أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالِاسْتِقْرَاضِ بَاطِلٌ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ: " وَكَذَا إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِنْ جَانِبِ الْمُلْتَمِسِ " (حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُوَكِّلِ) فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ مِنْ الْآمِرِ، وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute