للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَائِدَةُ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ؟ قُلْنَا: لَمْ يَحْصُلْ تَمَامُ الْفَائِدَةِ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا نَكَلَ يَجِبُ الثَّمَنُ الَّذِي ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، وَالْبَائِعُ إذَا نَكَلَ يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ فَيَتَحَالَفَانِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَحَالِّ.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ الدَّفْعَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِالْإِعْطَاءِ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَكُونَ مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ لَا مَنْ دَفَعَ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: أَيْ وَإِنَّ التَّحَالُفَ يُفِيدُ إعْطَاءَ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي عَنْ الْحَلِفِ وَجُعِلَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ فَائِدَةَ التَّحَالُفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ إعْطَاءُ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُشْتَرِي اتَّجَهَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ قِيلَ بِالضَّرُورَةِ، وَلَمْ يَدْفَعْهُ مَا ذَكَرَهُ جَوَابًا عَنْهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنْ لَا تَحْصُلَ تَمَامُ الْفَائِدَةِ الَّتِي حُمِلَ عَلَيْهِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَنَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْفَائِدَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا فِي دَفْعِ السُّؤَالِ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْجَوَابِ وَالْبَائِعُ إذَا نَكَلَ إلَخْ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ، فَبَعْدَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي يَلْزَمُهُ دَعْوَى الْبَائِعِ فَلَا يَجُوزُ تَحْلِيفُهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ نُكُولُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إذَا نَكَلَ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي مَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ يَتَّجِهُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَنْدَفِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ بِحَلِفِهِ السَّابِقِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِنُكُولِ الْبَائِعِ.

وَأَيْضًا يَتَّجِهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَوَابِ أَنَّ الْأَمْرَ الثَّانِيَ وَهُوَ انْدِفَاعُ الزِّيَادَةِ عَنْ الْمُشْتَرِي يَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي إنْ حَلَفَ، كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ هُوَ وُجُوبُ إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ بِتَحْلِيفِهِ إنْ نَكَلَ، فَتَمَامُ الْفَائِدَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ يَحْصُلُ بِتَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَلَمْ تَظْهَرْ فَائِدَةُ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ قَطُّ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجِ الشَّرِيعَةِ: يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ نُكُولِ الْبَائِعِ فَكَانَ التَّحَالُفُ مُفِيدًا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ، لِأَنَّهُمَا حَمَلَا الدَّفْعَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنَى الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُ كَمَا تَرَى، وَاعْتَبَرَا ظُهُورَ الْفَائِدَةِ عِنْدَ نُكُولِ الْبَائِعِ، فَيَتَّجِهُ عَلَى مَا ذَهَبَا إلَيْهِ أَنَّ نُكُولَ الْبَائِعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي لَا بَعْدَ نُكُولِهِ لِمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، وَعِنْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي قَدْ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ: أَعْنِي دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَحْلِيفِ الْبَائِعِ وَنُكُولِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَإِنَّهُ يَعْنِي التَّحَالُفَ يُفِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ: يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ فَكَانَ مُفِيدًا انْتَهَى. أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدَّفْعَ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَنْ دَفَعَ عَنْهُ كَمَا تَرَى، فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بِالنُّكُولِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي، وَأَنَّ مُرَادَهُ بِالنُّكُولِ نُكُولُ الْبَائِعِ دُونَ نُكُولِ الْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِي دَفْعَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَنْ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ نُكُولُ الْبَائِعِ، وَأَمَّا نُكُولُ الْمُشْتَرِي فَيَقْتَضِي دَفْعُهُ زِيَادَةَ الثَّمَنِ بِمَعْنَى إعْطَائِهِ إيَّاهَا فَإِذًا يَئُولُ قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ التَّحَالُفَ يَدْفَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ إلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ كَمَا مَرَّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ وَيَزْدَادُ إشْكَالُ قَوْلِهِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ، لِأَنَّ مَدْلُولَهُ أَنْ يَكُونَ انْدِفَاعُ الزِّيَادَةِ الْمُدَّعَاةِ بِحَلِفِ الْبَائِعِ، وَمَدْلُولُهُ قَوْلُهُ السَّابِقُ أَنْ يَكُونَ انْدِفَاعُهَا بِنُكُولِ الْبَائِعِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَّحِدَ حَلِفُ الْبَائِعِ وَنُكُولُهُ حُكْمًا وَهَذَا ظَاهِرُ الْفَسَادِ.

فَإِنْ قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ اللَّاحِقِ وَإِذَا حَلَفَ الْبَائِعُ بَعْدَ حَلِفِ الْمُشْتَرِي انْدَفَعَتْ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ بِأَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ السَّابِقِ إذَا نَكَلَ الْبَائِعُ تَنْدَفِعُ الزِّيَادَةُ الْمُدَّعَاةُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقْضِيَ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي وَهُوَ أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ لَا بِأَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ، فَاخْتَلَفَ حُكْمُ حَلِفِ الْبَائِعِ وَحُكْمُ نُكُولِهِ بِهَاتَيْنِ الْجِهَتَيْنِ وَهُوَ كَافٍ. قُلْت: لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ الْهَالِكِ أَنْقَصَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لَهُ بَلْ أَزِيدَ مِنْهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ انْدِفَاعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>