إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابِلِ الْقَائِمِ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ. هَذَا تَخْرِيجُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالُوا: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ.
وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي،
وَأَمَّا عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَفِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ تَتَجَدَّدُ بِحَسَبِ مَا يُقِيمُ مِنْ الْعَمَلِ فَبِتَعَذُّرِ فَسْخِهِ فِي الْبَعْضِ لَا يَتَعَذَّرُ فَسْخُهُ فِي الْبَاقِي، كَذَا فِي الشُّرُوحِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ إجَارَاتِ الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْفَرْقُ إنَّمَا يَتَمَشَّى بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الثَّانِي فَلَا، لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ عُقُودٍ مُتَفَرِّقَةٍ إلَّا أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُعَيَّنْ فِيهَا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهِيَ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ فَيُؤَدِّي إلَى التَّحَالُفِ مَعَ الْجَهْلِ بِعَيْنِ مَا قِيلَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ أَيْضًا (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ أَصْلًا) أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ (لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْقَائِمِ وَيَخْرُجُ الْهَالِكُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ) أَيْ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَتَحَالَفَانِ (وَهَذَا) أَيْ تَوْجِيهُ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَتْرُكَ حِصَّةَ الْهَالِكِ بِمَا ذُكِرَ (تَخْرِيجُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ) أَيْ عَامَّتُهُمْ (وَيُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَهُمْ إلَى التَّحَالُفِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكَلَامِ، فَكَانَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا تَرَكَ الْبَائِعُ حِصَّةَ الْهَالِكِ فَيَتَحَالَفَانِ (كَمَا ذَكَرْنَاهُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ فَيَتَحَالَفَانِ (وَقَالُوا) أَيْ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخُ: (إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا) أَقُولُ: كَانَ الظَّاهِرُ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ، وَالْمَعْنَى أَنْ يَتْرُكَ اللَّفْظُ مَعْنَاهُ مِنْ الْبَيِّنِ.
أَوْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَأْخُذُ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، مَعْنَاهُ: لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا، وَوَجْهُ الظُّهُورِ ظَاهِرٌ (وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ بِقَدْرِ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنَّمَا لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى يَمِينِ الْمُشْتَرِي لَا إلَى التَّحَالُفِ) فَيَصِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ لَا يَمِينَ عَلَى الْمُشْتَرِي (لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَائِعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي فَقَدْ صَدَّقَهُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ أَخْذَ الْحَيِّ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ بَلْ بِطَرِيقِ تَصْدِيقِ الْمُشْتَرِي فِي قَوْلِهِ وَتَرْكِ مَا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَوْلَى لِمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ لَكَانَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِيهِ: إنَّ أَخْذَ الْحَيِّ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَةِ الْمُشْتَرِي أَخْذُ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنَّ أَخْذَ الْحَيِّ يَكُونُ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ الْحَيَّ وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَمْ يُعَلِّقْ فِيهِ أَخْذَ الْحَيِّ إلَّا بِمَشِيئَةِ الْبَائِعِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَكُونَ فِي الصُّلْحِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهِمَا أَلْبَتَّةَ فَلَيْسَ بِمُفِيدٍ لَهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute