(وَلَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ (وَإِنْ كَانَ مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ
بِشَرْعِيَّةِ التَّحَالُفِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَكَيْفَ تَعَدَّى حُكْمُ النَّصِّ مِنْ الْبَيْعِ إلَى النِّكَاحِ، أَوْ نَقُولُ: إنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا شُرِعَ فِي عَقْدٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لِمَا أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ أَحْكَامِ التَّحَالُفِ وَلَا فَسْخَ فِي النِّكَاحِ بَعْدَ التَّحَالُفِ بِالِاتِّفَاقِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُشْرَعَ فِيهِ التَّحَالُفُ لِعَدَمِ حُكْمِهِ.
قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ وُرُودُ النَّصِّ فِي الْبَيْعِ فَقُلْنَا: إنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلتَّحَالُفِ هُنَاكَ مَوْجُودٌ هَاهُنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَثْبُتُ التَّحَالُفُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّحَالُفِ هُنَاكَ هُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا، فَلِذَلِكَ قُوبِلَتْ بَيِّنَتُهُمَا وَيَمِينُهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ ﷺ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْفَسْخَ حُكْمُ التَّحَالُفِ وَالْفَسْخُ لَيْسَ بِثَابِتٍ هَاهُنَا وَجَوَابُهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا أَوْجَبَ الْفَسْخَ فِي التَّحَالُفِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبَبِ يَمِينِ الْآخَرِ لَزِمَ إخْلَاءُ الْعَقْدِ عَنْ الْبَدَلِ، وَالْبَدَلُ إذَا خَلَا فِي الْبَيْعِ يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَالْفَاسِدُ يُفْسَخُ.
وَأَمَّا النِّكَاحُ إذَا خَلَا الْعِوَضُ عَنْهُ فَلَا يَفْسُدُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ، وَإِذَا لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ لَا يُفْسَخُ إذْ الْفَسْخُ إنَّمَا كَانَ بِسَبَبِ الْفَسَادِ فَافْتَرَقَا، إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ انْتَهَى. وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ فِي هَذَيْنِ السُّؤَالَيْنِ وَهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَوَابَيْنِ بَحْثٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِلتَّحَالُفِ وَهُوَ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا مَعَ عَدَمِ إمْكَانِ تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إنَّمَا يُوجَدُ هَاهُنَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَرْأَةِ بُضْعَهَا إلَى الزَّوْجِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُوجَدُ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَدَّعِي عَلَى الْمَرْأَةِ حِينَئِذٍ شَيْئًا إذْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ سَالِمٌ لَهُ.
بَقِيَ دَعْوَى الْمَرْأَةِ فِي زِيَادَةِ الْمَهْرِ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُهَا عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَرَّرَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَتْ بِمَفْرُوضَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ بَلْ هِيَ عَامَّةٌ لِمَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، بَلْ كَانَتْ مُصَوَّرَةً فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِصُورَةٍ تَخُصُّ بِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ السُّؤَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُومًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيَانُ سَبَبِ عَدَمِ ثُبُوتِ الْفَسْخِ فِي النِّكَاحِ، وَهُوَ لَا يَدْفَعُ السُّؤَالَ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالنِّزَاعِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِي عَدَمِ ثُبُوتِ الْفَسْخِ فِي النِّكَاحِ، بَلْ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ إنَّمَا شُرِعَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْفَسْخُ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْفَسْخُ فِي النِّكَاحِ يَنْبَغِي أَيْ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّحَالُفُ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ لَمْ يَجْرِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْإِقَالَةِ فِي بَابِ السَّلَمِ الْفَسْخَ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ فَتَأَمَّلْ (وَلَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ أَيْ لَكِنْ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِقَطْعِ النِّزَاعِ (فَإِنْ كَانَ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ (قَضَى بِمَا قَالَ الزَّوْجُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ) أَيْ ظَاهِرَ الْحَالِ (شَاهِدٌ لَهُ) أَمَّا فِي صُورَةِ كَوْنِ مَهْرِ الْمِثْلِ مِثْلَ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ فَظَاهِرٌ لِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ مَهْرَ الْمِثْلِ.
وَأَمَّا فِي صُورَةِ كَوْنِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ فَلِكَوْنِ قَوْلِهِ أَقْرَبَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ قَوْلِنَا (وَإِنْ كَانَ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ (مِثْلَ مَا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ مِمَّا ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ (قَضَى بِمَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute