للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَاهُ فِي النِّكَاحِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا نُعِيدُهُ

(وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا قِيمَتُهَا دُونَ عَيْنِهَا) لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ

شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ يَقُولُ بِالتَّحَالُفِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا.

قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَاهُ) أَيْ تَخْرِيجَ الرَّازِيّ (فِي النِّكَاحِ) أَيْ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ) هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُ الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ، وَتَكَلَّمُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (فَلَا نُعِيدُهُ) أَيْ لَا نُعِيدُ ذِكْرَ خِلَافِهِ هَاهُنَا. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُ الرَّازِيّ هُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ تَحْكِيمَ مَهْرِ الْمِثْلِ هَاهُنَا لَيْسَ لِإِيجَابِ مَهْرِ الْمِثْلِ بَلْ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الدَّعَاوَى أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ مَعَ يَمِينِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ: قَالُوا: إنَّ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ لَا يَثْبُتُ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ، وَإِنَّمَا تَنْعَدِمُ التَّسْمِيَةُ بِالتَّحَالُفِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كَأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَسْمِيَةٌ أَصْلًا فَيُصَارُ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ، فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ كَيْفَ يَكُونُ الظَّاهِرُ مَعَ الَّذِي وَافَقَهُ مَهْرَ الْمِثْلِ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: أَقُولُ: إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ غَيْرَهُ فَاسِدٌ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِإِيجَابِهِ، وَأَمَّا لِتَحْكِيمِهِ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ فَمَمْنُوعٌ انْتَهَى، وَأَنَا أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ إنْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ، فَلَا كَلَامَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَا مَجَالَ لِإِرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، لِأَنَّهُمْ مَا قَالُوا هُوَ صَحِيحٌ حَتَّى لَا يُنَافِيَ كَوْنَ غَيْرِهِ أَصَحَّ، بَلْ قَالُوا: هُوَ الصَّحِيحُ بِقَصْرِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ وَهُوَ قَصْرُ الصِّفَةِ عَلَى الْمَوْصُوفِ كَمَا تَرَى، فَإِذَا كَانَتْ صِفَةُ الصِّحَّةِ مَقْصُورَةً عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ غَيْرُهُ بِالْأَصَحِّيَّةِ وَالِاتِّصَافُ بِالْأَصَحِّيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّصَافَ بِأَصْلِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ الصِّحَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَا كَلَامَ فِي الْمُرَادِ لَا فِي الْإِرَادَةِ فَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: مَا بَالُهُمْ لَا يُحَكِّمُونَ قِيمَةَ الْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الثَّمَنِ لِمَعْرِفَةِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا مَحْظُورَ فِيهِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ مَعْلُومٌ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا تُعْلَمُ بِالْحِرْزِ وَالظَّنِّ فَلَا تُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ فَلَا تُجْعَلُ حُكْمًا انْتَهَى. وَأَقُولُ: فِي جَوَابِهِ تَحْكُمُ، حَيْثُ جَعَلَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَمْرًا مَعْلُومًا ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَالْقِيمَةَ أَمْرًا مَظْنُونًا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمَعْرِفَةِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا مُتَفَاوِتَيْنِ فِي الْمَعْرِفَةِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ أَخْفَى مِنْ الْقِيمَةِ، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي بَابِ الْمَهْرِ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ بِقَرَابَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ سِنًّا وَجَمَالًا وَمَالًا وَعَقْلًا وَدِينًا وَبَلَدًا وَعَصْرًا وَبَكَارَةً وَثِيَابَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ عُسْرٌ جِدًّا، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ إذْ يَكْفِي فِيهَا نَوْعُ خِبْرَةٍ بِأَحْوَالِ الْأَمْتِعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى.

فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَا: قُلْنَا الْقَضَاءُ هُنَاكَ بِمَا يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُطَابِقَةً لِمَا يَدَّعِيهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا ثَمَنًا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَمَهْرُ الْمِثْلِ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مَهْرًا بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى، وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: إلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ:

وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ (وَالْمَرْأَةُ تَدَّعِيهِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَهُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُمُ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ لَا، فَمَنْ شَهِدَ لَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ تَخْرِيجُ الرَّازِيّ، وَأَمَّا عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ فَيَتَحَالَفَانِ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ (إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ يَكُونُ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ (قِيمَتُهَا) أَيْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ (دُونَ عَيْنِهَا لِأَنَّ تَمَلُّكَهَا لَا يَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>