(وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَنْفَعَةِ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ، وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ، وَلَوْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ) نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشْرَةٍ.
قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَتَحَالَفَا
فِي التَّحَالُفِ لَا فِي حَلِفِ الْوَاحِدِ.
وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ أَيْضًا إنْكَارَ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يَقْتَضِي الْبَدْءَ بِيَمِينِهِ فَهُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ. ثُمَّ إنَّ تَاجَ الشَّرِيعَةِ أَجَابَ بَعْدَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ اُعْتُبِرَتْ بِالْبَيْعِ، وَمِنْ شَرْطِ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ حُكْمَ النَّصِّ فِي الْفَرْعِ بَلْ يُعَدِّي حُكْمَ الْأَصْلِ بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا انْتَهَى.
أَقُولُ: وَفِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ لِأَنَّ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فِيهَا بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ يُغَيِّرَ فِيهَا حُكْمَ النَّصِّ، وَأَنْ لَا يُعَدِّيَ حُكْمَ الْأَصْلِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْبَدَلِ وَأَنْ يَقَعَ فِي الْمُبْدَلِ عَلَى مَا مَرَّ. ثُمَّ إنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ مُجَرَّدُ ثُبُوتِ التَّحَالُفِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ يَبْدَأُ بِيَمِينِهِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَلَا يَلْزَمُ تَغْيِيرُ النَّصِّ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ (وَإِنْ وَقَعَ) أَيْ الِاخْتِلَافُ (فِي الْمَنْفَعَةِ بُدِئَ بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِزِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ (وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ) لِأَنَّ نُكُولَهُ بَدَلٌ أَوْ إقْرَارُهُ عَلَى مَا مَرَّ (وَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ) لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ (وَلَوْ أَقَامَاهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (فَبَيِّنَةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى إنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الِاخْتِلَافُ (فِي الْمَنَافِعِ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ) أَيْ فَبَيِّنَةُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ حِينَئِذٍ (وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا) أَيْ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأُجْرَةِ وَالْمَنَافِعِ مَعًا (قُبِلَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْفَضْلِ نَحْوُ أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا) أَيْ الْمُؤَجَّرُ (شَهْرًا بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ يَقْضِي بِشَهْرَيْنِ بِعَشْرَةٍ) لَا يُقَالُ: كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَدِّمَ ذِكْرَ أَحْوَالِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ الْيَمِينِ وَالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالنُّكُولُ فَرْعُ تَكْلِيفِ الْيَمِينِ.
وَقَدْ عَكَسَ الْمُصَنِّفُ الْأَمْرَ، لِأَنَّا نَقُولُ: الْعُمْدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَمْرِ التَّحَالُفِ وَبَاقِي الْأَقْسَامِ اسْتِطْرَادِيٌّ، فَقَدَّمَ الْأَهَمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَكَأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ حَيْثُ غَيَّرَ أُسْلُوبَ الْمُصَنِّفِ فَقَدَّمَ ذِكْرَ أَحْوَالِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ (قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِتَمَامِهِ (لَمْ يَتَحَالَفَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute