أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ،
الْمَقَامِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ مُصْطَلَحُ حُكَمَاءِ الْيُونَانِ فِي الْجِنْسِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ سِينَا يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَفْهُومٍ كُلِّيٍّ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ أَشْخَاصٌ فَيَعُمُّ مَا فَوْقَ الْأَجْنَاسِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا تَحْتَهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَصْنَافِهَا، فَلَا يَتَمَيَّزُ الْجِنْسُ الشَّرْعِيُّ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا فَيَخْتَلُّ مَعْنَى الْمَقَامِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ وَالنَّوْعِ هَاهُنَا غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَنْطِقِ، فَإِنَّ الْجِنْسَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْحَيَوَانِ، وَالنَّوْعُ هُوَ الْمَقُولُ عَلَى كَثِيرِينَ مُتَّفِقِينَ بِالْحَقِيقَةِ فِي جَوَابِ مَا هُوَ كَالْإِنْسَانِ مَثَلًا، وَالصِّنْفُ هُوَ النَّوْعُ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ عَرَضِيٍّ كَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْجِنْسِ مَا يَشْمَلُ أَصْنَافًا عَلَى اصْطِلَاحِ أُولَئِكَ وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفُ انْتَهَى.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ بِالْفِقْهِ أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَقْرَبُ إلَى ضَبْطِ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ، لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالصِّنْفِ فِي قَوْلِهِ وَبِالنَّوْعِ الصِّنْفِ الصِّنْفَ الْمَنْطِقِيَّ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِمَارَ نَوْعٌ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى مَا سَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِصِنْفٍ مَنْطِقِيٍّ، بَلْ هُوَ نَوْعٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ أَيْضًا، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصِّنْفَ اللُّغَوِيَّ بِمَعْنَى الضَّرْبِ وَالْقِسْمِ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّقِيقَ مَثَلًا صِنْفٌ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْإِنْسَانِ وَلَيْسَ بِنَوْعٍ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُ الْأَجْنَاسَ الشَّرْعِيَّةَ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ مَثَلًا صِنْفَانِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَيْسَا بِنَوْعَيْنِ عِنْدَهُمْ بَلْ هُمَا عِنْدَهُمْ جِنْسَانِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ (أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ) أَيْ أَوْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَمِقْدَارِ ثَمَنِهِ (لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَيُمْكِنُهُ الِائْتِمَارُ) أَيْ فَيُمْكِنُ الْوَكِيلُ الِامْتِثَالَ لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ، فَإِنَّ ذِكْرَ الْجِنْسِ مُجَرَّدًا عَنْ الصِّفَةِ أَوْ الثَّمَنِ لَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْإِتْيَانِ بِمَا أَمَرَهُ الْمُوَكِّلُ بِهِ. وَاعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الشِّرَاءُ.
وَالْجَوَابُ: إنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَيْسَ هُوَ الشِّرَاءَ، بَلْ هُوَ شِرَاءُ نَوْعٍ مِنْ جِنْسٍ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ النَّوْعُ لَمْ يُعْلَمْ الْفِعْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنْ أَرَادَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ شِرَاءُ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ جِنْسٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَمَعْنَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسَمِّ الْمُوَكِّلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ نَوْعَهُ مَعَ جِنْسِهِ أَوْ مَبْلَغَ ثَمَنِهِ مَعَ جِنْسِهِ لَمْ يَصِرْ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا فَلَمْ يُمْكِنْ لِلْوَكِيلِ الِائْتِمَارُ بِمَا أَمَرَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ شِرَاءَ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ لِكَوْنِهِ خِلَافَ الْمَفْرُوضِ.
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ فِي هَذَا الْقِسْمِ شِرَاءُ نَوْعٍ مَا مِنْ أَنْوَاعِ جِنْسٍ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ حِينَئِذٍ مَعْلُومٌ، وَهُوَ شِرَاءُ نَوْعٍ مَا مِنْ جِنْسٍ، فَإِذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ أَيَّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ يَصِيرُ مُؤْتَمَرًا بِمَا أُمِرَ بِهِ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُوَكَّلَ بِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ شِرَاءَ نَوْعٍ مُطْلَقٍ مِنْ جِنْسٍ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُوَكِّلِ شِرَاءَ نَوْعٍ مَخْصُوصٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ النَّوْعُ الْمُرَادُ لَمْ يُمْكِنْ لِلْوَكِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute