(إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً فَيَقُولَ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت)؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تَتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا،
الِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِيَصِيرَ الْفِعْلُ الْمُوَكَّلُ بِهِ مَعْلُومًا عَلَى وَفْقِ مُرَادِ الْمُوَكِّلِ فَيُمَكِّنُ لِلْوَكِيلِ الِائْتِمَارُ بِأَمْرِهِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِيمَا سَيَأْتِي فَلَا يَدْرِي مُرَادَ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ (إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ جِنْسِهِ وَصِفَتِهِ أَوْ جِنْسِهِ وَمَبْلَغِ ثَمَنِهِ: يَعْنِي إذَا وَكَّلَهُ وَكَالَةً عَامَّةً (فَيَقُولُ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْت) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْهَا (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُوَكِّلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ) أَيْ إلَى رَأْيِ الْوَكِيلِ (فَأَيَّ شَيْءٍ يَشْتَرِيهِ يَكُونُ مُمْتَثِلًا) لِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ فَيَقَعُ عَنْهُ. أَعْلَمْ أَنَّ الْجَهَالَةَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: فَاحِشَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ الْجِنْسِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الثَّوْبِ وَالدَّابَّةِ وَالرَّقِيقِ وَهِيَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِثَالِ. وَيَسِيرَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ النَّوْعِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ وَالْمَرْوِيِّ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ غِيَاثٍ: لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ وَصْفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَلَنَا «أَنَّهُ ﵊ وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ» وَلَمْ يُبَيِّنْ صِفَتَهَا. وَمَبْنَى الْوَكَالَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ لِكَوْنِهَا اسْتِعَانَةً فَيَتَحَمَّلُ فِيهَا الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْوَصْفِ بَعْضُ الْحَرَجِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَجَهَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ وَهِيَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كَالتَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ شِرَاءِ أَمَةٍ أَوْ دَارٍ، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ وَيُجْعَلُ مُلْحَقًا بِجَهَالَةِ النَّوْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ لَا يَصِحُّ وَيُلْحَقُ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ.
كَذَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَخْذًا مِنْ الْمَبَاسِيطِ وَالْجَوَامِعِ. فَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُشِيرَ إلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْجَهَالَةِ، وَأَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي بَابِ الْوَكَالَةِ. فَقَالَ (وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ تَتَحَمَّلُ فِي الْوَكَالَةِ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ اسْتِحْسَانًا) هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تَتَحَمَّلَ الْجَهَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ وَإِنْ قَلَّتْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّا نَجْعَلُ الْوَكِيلَ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ كَالْبَائِعِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute