للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ، وَلَا دَفْعَ هَاهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ،

لِتَضَمُّنِهِ) أَيْ لِتَضَمُّنِ الْبَيِّنَةِ بِتَأْوِيلِ الشَّاهِدِ (مَعْنَى الدَّفْعِ) لِمَا مَرَّ آنِفًا (وَلَا دَفْعَ هَاهُنَا حَيْثُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّلَقِّي مِنْ جِهَتِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّ بِذِكْرِ تَارِيخِ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْصُلْ الْيَقِينُ بِأَنَّ الْآخَرَ تَلَقَّاهُ مِنْ جِهَتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأُخْرَى لَوْ وَقَّتَتْ كَانَ أَقْدَمَ تَارِيخًا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَّخَا وَكَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَقْدَمَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قِيلَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ: إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الدَّفْعِ لَا يَسْتَقِيمُ لِمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ إلَّا لَزِمَهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى. وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ انْتَهَى. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ. فَإِنَّ أَوْلَوِيَّةَ الْخَارِجِ عَلَى قَوْلِهِ الْآخَرِ الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّارِيخُ نَصَّ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَرَاجِعْهُ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، إذْ لَيْسَ مُرَادُ الْمُجِيبِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ: أَعْنِي أَوْلَوِيَّةَ الْخَارِجِ فِيمَا إذَا وَقَّتَتْ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ حَتَّى يُنَافِيَهُ نَصَّ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُهُ الْآخَرُ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الدَّفْعِ بِصَدَدِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَلَا يَلْزَمُهُ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى عَلَى قَوْلِهِ الثَّانِي هُنَاكَ.

وَتَوْضِيحُ الْمَقَامِ أَنَّ لِمُحَمَّدٍ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ قَوْلَيْنِ: قَوْلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَقْضِي لِلَّذِي لَمْ يُؤَقِّتْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّارِيخِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُؤَقَّتِ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ دَعْوَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ. وَقَوْلُهُ الْآخَرُ أَنَّ الْخَارِجَ أَوْلَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّارِيخِ فَكَانَ الْمُؤَقَّتُ لَمْ يُؤَقَّتْ فَتَكُونُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ إثْبَاتًا عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَهُوَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ، كَمَا أَنَّهُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَهُ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُفْصِحُ عَنْهُ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ.

فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَنَقُولُ: لَوْ أُرِيدَ الِاسْتِدْلَال عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ رِعَايَةِ قَوْلِ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ إنَّمَا تُقْبَلُ لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الدَّفْعِ، بَلْ كَفَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَهُ أَصْلًا فِي غَيْرِ النِّتَاجِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا قَصَدَ الْجَمْعَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي دَلِيلٍ وَاحِدٍ لِيُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ دَلِيلٍ آخَرَ لِمُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآخَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا يَجْمَعُهُمَا مُرَاعِيًا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلَ مُحَمَّدٍ الْأَوَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَاحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَأَيْنَ هَذَا مِمَّا فَهِمَهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النُّكْتَةُ لِأَبِي حَنِيفَةَ. وَوَجْهُ مُحَمَّدٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ هُنَا، وَقَوْلُهُ لَهُمَا مِنْ قَبِيلِ ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ اهـ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّوْجِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى فَتَبَصَّرْ (وَعَلَى هَذَا) أَيْ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا) وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَوَقَّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ بَيِّنَةِ الْآخَرِ: يَعْنِي لَا عِبْرَةَ لِلتَّارِيخِ عِنْدَهُمَا، وَالْمُرَادُ لِلْمُؤَرِّخِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِ ثَالِثٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ الْمُدَّعَاةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>