لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ وُقِّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا
لِصَاحِبِهِ. وَفِي مِثْلِ هَذَا الْإِقْرَارِ تَتَهَاتَرُ الشُّهُودُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَائِزٌ لِوُجُودِ الْبَيْعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْعَيْنِ ذِكْرُ تَارِيخٍ وَلَا دَلَالَةُ تَارِيخٍ حَتَّى يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا سَابِقًا وَالْآخَرَ لَاحِقًا. فَإِذَا جَازَ الْبَيْعَانِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فِي الْقَبُولِ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَبَقِيَ الْعَيْنُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَيْ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِمَا غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَهُ (لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ) مَعَ عَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِعَدَمِ ذِكْرِ التَّارِيخِ وَلَا دَلَالَتِهِ، فَكَانَتْ شَهَادَةُ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلَةِ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ بِحَيْثُ مَتَى لَمْ يُمْكِنْ التَّرْجِيحُ وَلَا الْحَمْلُ عَلَى الْحَالَتَيْنِ سَقَطَ الْعَمَلُ بِهِمَا، فَبَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَهَاهُنَا أَيْضًا لَمَّا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا بِالتَّعَارُضِ بَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَتْ (بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ فِي شَهَادَتِهِمَا حَيْثُ يَجْعَلُ هُنَاكَ شِرَاءَ صَاحِبِ الْيَدَ سَابِقًا وَبَيْعَهُ لَاحِقًا لِدَلَالَةِ الْقَبْضِ عَلَى السَّبْقِ، إذْ لَوْ جَعَلَ شِرَاءَ الْخَارِجِ سَابِقًا لَزِمَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ، هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ فِي حَلِّ هَذَا الْمَقَامِ.
أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لِمَ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالْعَمَلُ بِهِمَا حَيْثُ يَجْعَلُ الْعَيْنَ الْمُدَّعَاةَ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ كَمَا جَعَلْنَاهَا كَذَلِكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا حَيْثُ قَضَيْنَا هُنَاكَ بِالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ. وَأَيْضًا قُلْنَا: إذَا ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَأَقَامَا بَيِّنَةً وَلَا تَارِيخَ مَعَهُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَيْنِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ مَرَّتْ فِيهِ أَيْضًا مَسَائِلُ أُخْرَى مُشْتَرِكَةٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ: أَعَنَى التَّنْصِيفَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرُوا هَاهُنَا لِتَخْرِيجِ مُحَمَّدٍ ﵀ يَنْتَقِضُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَدَبَّرْ.
وَفِي الْكَافِي: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ الْفَرِيقَانِ بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ تَهَاتَرَتَا بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِجَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ يُخَالِفُ مَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ وَالْقَبْضِ يَقْضِي بِالْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَقْضِي بِالدَّارِ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ حُجَجُ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا مَا أَمْكَنَ لِأَنَّهُمَا أَثْبَتَا الْعَقْدَيْنِ وَالْقَبْضَ فَيَجْعَلُ كَأَنَّ ذَا الْيَدِ بَاعَهَا وَسَلَّمَهَا انْتَهَى
(وَإِنْ وَقَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ) وَقْتَيْنِ، قَيَّدَ بِالْعَقَارِ لِيُظْهِرَ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ (وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا) أَيْ وَلَمْ تُثْبِتْ الْبَيِّنَتَانِ قَبْضًا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلَمْ تُبَيِّنَا قَبْضًا (وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ وَقْتَ الْخَارِجِ أَسْبَقُ (يَقْضِي لِصَاحِبِ الْيَدِ عِنْدَهُمَا) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (فَيَجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَقْضِي لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْعَقَارِ (قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ) أَيْ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَقِيَ عَلَى مِلْكِ الْخَارِجِ (وَإِنْ أَثْبَتَا قَبْضًا) أَيْ وَإِنْ أَثْبَتَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute