للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ.

الْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ (وَإِنْ خَالَفَ سِنُّ الدَّابَّةِ الْوَقْتَيْنِ) قَالَ الشُّرَّاحُ: أَيْ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ. أَقُولُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ هَذَا التَّقْيِيدِ كَمَا سَأُبَيِّنُ (بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُ الْفَرِيقَيْنِ) وَذَلِكَ مَانِعٌ عَنْ قَوْلِ الشَّهَادَةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ فَيَمْنَعُ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ أَيْضًا (فَتُتْرَكُ) أَيْ الدَّابَّةُ (فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَعُمُّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ: أَعْنِي مَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَمَا إذَا كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، وَمَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، إذْ لَا فَارَقَ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ الْحَاكِمُ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ الْمَارِّ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ، وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ الْجَوَابِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَصْلَيْنِ: يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا، وَفِيمَا إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ فِي دَعْوَى الْخَارِجَيْنِ.

أَمَّا إذَا كَانَ مُشْكِلًا فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ الْوَقْتَيْنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذِكْرِ الْوَقْتِ لَحِقَهُمَا، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي اعْتِبَارِهِ إبْطَالَ حَقِّهِمَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَصْلًا وَيَنْظُرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا وَهُوَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فِي الدَّابَّةِ وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرَنَا التَّوْقِيتَ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ هِيَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْفَرِيقَانِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا عَلَى ذِي الْيَدِ فَكَيْفَ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ مَعَ قِيَامِ حُجَّةِ الِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ ذَلِكَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا رَوَى أَبُو اللَّيْثِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ سِنُّ الدَّابَّةِ مُشْكِلًا يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلْوَقْتَيْنِ لَا يَقْضِي لَهُمَا بِشَيْءٍ وَتُتْرَكُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ قَضَاءَ تَرْكٍ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ. قَوْلُهُ يَنْظُرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُدَّعِي لَيْسَ بِمُعْتَبَرِ الدَّعَاوَى بِلَا حُجَّةٍ، وَاتِّفَاقُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمَا عَلَى ذِي الْيَدِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْمُكَذِّبِ انْتَهَى.

أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ قَوْلِهِ: وَقَوْلُهُ يَنْظُرُ إلَى مَقْصُودِهِمَا لَيْسَ بِشَيْءٍ إلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ وُجُودِ الْمُكَذِّبِ بِأَنَّ الْمَوْجُودَ مُكَذِّبُ الْوَقْتَيْنِ لَا مُكَذِّبُ أَصْلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، فَاللَّازِمُ مِنْهُ سُقُوطُ اعْتِبَارِ ذِكْرِ الْوَقْتِ لَا سُقُوطُ اعْتِبَارِ أَصْلِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَهُوَ إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْمُدَّعِيَيْنِ عَلَى ذِي الْيَدِ فَلَا قَادِحَ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ خَالَفَ سِنُّهَا الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا سَقَطَ الْوَقْتُ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بُطْلَانَ التَّوْقِيتِ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يُوَقِّتَا فَبَقِيَتْ الْبَيِّنَتَانِ قَائِمَتَيْنِ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيتٍ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ تَهَاتَرَتْ الْبَيِّنَتَانِ. قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ إذَا خَالَفَ الْوَقْتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ فَالْتَحَقَتَا بِالْعَدَمِ فَيُتْرَكُ الْمُدَّعَى فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>