قَالَ: (وَإِذَا كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ (وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ،
قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ: (وَإِذَا كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ يَعْقِلُ فَحَوَى مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ، كَذَا فِي الْكَافِي. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُ الشُّرَّاحِ: أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْقِلُ مَا يَقُولُ (فَقَالَ) أَيْ الصَّبِيُّ (أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ) فَكَانَ هُوَ صَاحِبَ الْيَدِ وَكَانَ الْمُدَّعِي خَارِجًا وَالْقَوْلُ قَوْلَ صَاحِبِ الْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ إنْسَانٍ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ إبَانَةً لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ، إذْ كَوْنُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ دَلِيلُ الْإِهَابَةِ، وَمَعَ قِيَامِ يَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا تَثْبُتُ يَدُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ لِلتَّنَافِي بَيْنَ الْيَدَيْنِ إلَّا إذَا سَقَطَ اعْتِبَارُ يَدِهِ شَرْعًا فَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ يَدُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَسُقُوطُ اعْتِبَارِ يَدِهِ قَدْ يَكُونُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ: أَيْ لَا يَعْقِلُ مَا يَكُونُ، وَقَدْ يَكُونُ لِثُبُوتِ الرِّقِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الرِّقَّ عِبَارَةٌ عَنْ عَجْزٍ حُكْمِيٍّ، وَالْيَدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقُدْرَةِ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَإِذَا ثَبَتَ الضَّعْفُ انْتَفَتْ الْقُدْرَةُ، كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ) أَيْ لَوْ قَالَ الصَّبِيُّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ: إنَّهُ عَبْدِي (فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ) فَكَانَ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةً شَرْعًا فَكَانَ الْقَوْلُ لِذِي الْيَدِ أَنَّهُ لَهُ، وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، كَذَا فِي الْكَافِي.
فَإِنْ قِيلَ: الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ مِنْ الْمَضَارِّ لَا مَحَالَةَ وَأَقْوَالُ الصَّبِيِّ فِيهَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْهِبَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الصَّبِيَّ أَبَدًا يَبْعُدُ مِنْ الْمَضَارِّ وَيُقَرَّبُ مِنْ الْمَبَارِّ. قُلْنَا: الرِّقُّ هَاهُنَا لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ، إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُعَارَضَتِهِ إيَّاهُ بِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا تَتَقَرَّرُ يَدُهُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ عَدَمِهَا تَتَقَرَّرُ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي رِقِّهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ الصَّبِيُّ (لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ عَبْدٌ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَتَاعٍ) فِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ يَدٌ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَتْ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ ثَابِتَةً عَلَيْهِ شَرْعًا فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ (بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِالرِّقِّ لِمَا مَرَّ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اللَّقِيطِ الَّذِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ هُنَاكَ وَهُوَ صَاحِبُ الْيَدِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ عَبْدُهُ لَا يُصَدَّقُ وَهُنَا قِيلَ.
قُلْنَا: الْفَرْقُ هُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ إنَّمَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرِّقِّ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَيَدُ الْمُلْتَقِطِ عَلَى اللَّقِيطِ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً وَلَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ حُكْمًا لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِي اللَّقِيطِ وَيَدُ الْأَمِينِ فِي الْحُكْمِ يَدُ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ مَعَ الشَّكِّ. فَإِنْ قِيلَ: وَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ فِي دَعْوَى الرِّقِّ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ ثَابِتَةٌ بِالْأَصْلِ فِي بَنِي آدَمَ إذْ الْأَصْلُ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ وَحَوَّاءَ ﵉ وَهُمَا كَانَا حُرَّيْنِ فَكَانَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الرِّقِّ أَمْرًا عَارِضًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، قُلْنَا: مَا هُوَ الْأَصْلُ إذَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ يَبْطُلُ، وَالْيَدُ عَلَى مَنْ هَذَا شَأْنُهُ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الْأَصْلِ لِأَنَّهَا دَلِيلُ الْمِلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute