للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ بَعْضَ بِنَائِهِ عَلَى بَعْضِ بِنَاءِ هَذَا الْحَائِطِ.

فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ تَكُونَ سَاحَةُ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى، وَأَمَّا إذَا ثَقَبَ فَأَدْخَلَ لَا يَكُونُ تَرْبِيعًا، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ.

وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يُبْنَيَانِ لِيُحِيطَا مَعَ جِدَارَيْنِ آخَرَيْنِ بِمَكَانٍ مُرَبَّعٍ انْتَهَى. وَكَانَ الْكَرْخِيُّ يَقُولُ: صِفَةُ هَذَا الِاتِّصَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَالْحَائِطَانِ مُتَّصِلَانِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ مُرَبَّعًا شِبْهَ الْقُبَّةُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اتِّصَالَ جَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِحَائِطَيْنِ لِأَحَدِهِمَا يَكْفِي، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الْحَائِطَيْنِ بِحَائِطٍ لَهُ بِمُقَابَلَةٍ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا لِأَنَّ الرُّجْحَانَ يَقَعُ بِكَوْنِهِ مِلْكًا مُحِيطًا بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالِاتِّصَالِ بِجَانِبَيْ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ.

وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ (وَهَذَا) أَيْ اتِّصَالُ التَّرْبِيعِ (شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ بَعْضَ بِنَائِهِ) أَيْ بَعْضَ بِنَاءِ صَاحِبِهِ (وَعَلَى بَعْضِ هَذَا الْحَائِطِ) أَيْ عَلَى بَعْضِ هَذَا الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِالِاتِّصَالِ فَصَارَ الْكُلُّ فِي حُكْمِ حَائِطٍ وَاحِدٍ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الِاتِّصَالِ، وَبَعْضُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ إلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ مَعَ حَائِطِهِ فَمُدَاخَلَةُ أَنْصَافِ اللَّبِنِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ بِنَاءِ الْحَائِطَيْنِ مَعًا فَكَانَ هُوَ أَوْلَى، كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ. أَقُولُ: بَقِيَ لِي هَاهُنَا كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ الْمُرَادَ بِالِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ عَلَى اتِّصَالِ التَّرْبِيعِ، وَتَبِعَهُ فِي هَذَا عَامَّةُ ثِقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَالْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَشُرَّاحِ الْهِدَايَةِ قَاطِبَةً وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ صَرَّحُوا بِتَقْيِيدِ الِاتِّصَالِ هَاهُنَا بِالتَّرْبِيعِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِبِنَائِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ لَا لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ انْتَهَى. وَلَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ هَذَا التَّقْيِيدِ هَاهُنَا لِأَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْهَرَادِيِّ، وَكَذَا صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْهَرَادِيِّ. وَفِي الْحُكْمِ يَكُونُ صَاحِبُ الِاتِّصَالِ أَوْلَى مِنْ صَاحِبِ الْهَرَادِيِّ لَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْيِيدِ الِاتِّصَالِ بِالتَّرْبِيعِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ضَرْبَيْ الِاتِّصَالِ: أَعْنِي اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ وَاتِّصَالَ الْمُلَازَقَةِ مُشْتَرِكَانِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَإِنَّ الْهَرَادِيَّ مِمَّا لَا اعْتِبَارَ لَهُ أَصْلًا بَلْ هِيَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ، حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخِرِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ.

وَقَدْ ذَكَرَ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ اتِّصَالٌ وَلَا جُذُوعٌ فَهُوَ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ، فَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَذَكَرَ هَذَا أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْحَائِطُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مُتَّصِلًا بِبِنَائِهِمَا إنْ كَانَ اتِّصَالُهُمَا اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ أَوْ اتِّصَالَ مُلَازَقَةٍ فَإِنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالِاتِّصَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ اتِّصَالُ أَحَدِهِمَا اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ وَاتِّصَالُ الْآخَرِ اتِّصَالَ مُلَازَقَةٍ فَصَاحِبُ التَّرْبِيعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَ التَّرْبِيعِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ قِوَامَ حَائِطِهِ بِقَدْرِ التَّرْبِيعِ بِالْحَائِطِ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ التَّرْبِيعِ، فَكَانَ لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ عَلَى ذَلِكَ التَّفْسِيرِ مَعَ الِاتِّصَالِ نَوْعُ الِاسْتِعْمَالِ، وَلِلْآخَرِ مُجَرَّدُ اتِّصَالٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَيَكُونُ الِاتِّصَالُ مَعَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْلَى فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاكِبِ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِاللِّجَامِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالٌ بِبِنَاءٍ اتِّصَالَ مُلَازَقَةٍ أَوْ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ اتِّصَالٌ وَلَا لَهُ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَإِنَّهُ يَقْضِي لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي حَقِّ الِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ وَلِأَحَدِهِمَا زِيَادَةُ الِاتِّصَالِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الِاتِّصَالُ بِالْبِنَاءِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْآخَرِ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبِنَاءِ إحْدَى الدَّارَيْنِ اتِّصَالَ الْتِزَاقٍ وَارْتِبَاطٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ كَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ الْتِزَاقٍ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٌ فَصَاحِبُ الْجُذُوعُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ وَلَا اسْتِعْمَالَ مِنْ صَاحِبِ الِاتِّصَالِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ الْتِزَاقٍ وَارْتِبَاطٍ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ فَصَاحِبُ التَّرْبِيعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ اتِّصَالَ التَّرْبِيعِ أَقْوَى مِنْ اتِّصَالِ الِالْتِزَاقِ، وَلَوْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>