للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْهَرَادِيِّ أَصْلًا، وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا تُبْنَى لَهَا أَصْلًا حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيٌّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا

(وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) لِاسْتِوَائِهِمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ

لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَلِلْآخَرِ الْجُذُوعُ فَالْحَائِطُ لِصَاحِبِ التَّرْبِيعِ وَلِصَاحِبِ الْجُذُوعِ حَقُّ وَضْعِ الْجُذُوعِ انْتَهَى.

فَتَلَخَّصَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ فَائِدَةَ تَقْيِيدِ الِاتِّصَالِ بِالتَّرْبِيعِ إنَّمَا تَظْهَرُ لَوْ كَانَ لِلْآخَرِ اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ كَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ، أَوْ كَانَ لِلْآخَرِ جُذُوعٌ كَمَا ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لِلْآخَرِ هَرَادِيٌّ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ التَّقْيِيدِ بَلْ فِيهِ إخْلَالٌ بِعُمُومِ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَتَنَبَّهْ، فَإِنَّ كَشْفَ الْقِنَاعِ عَنْ وَجْهِ هَذَا الْمَقَامِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ (وَقَوْلُهُ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْهَرَادِيُّ لَيْسَتْ بِشَيْءٍ (يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلْهَرَادِيِّ أَصْلًا) بَلْ هِيَ فِي الْحُكْمِ الْمَعْدُومِ (وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لَهَا أَصْلًا) أَيْ لِأَنَّ الْحَائِطَ لَا يُبْنَى لِأَجْلِ الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِي؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ وَذَلِكَ بِوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَيْهِ لَا بِوَضْعِ الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِي، وَإِنَّمَا تُوضَعُ الْهَرَادِيُّ وَالْبَوَارِي لِلِاسْتِظْلَالِ وَالْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهُ (حَتَّى لَوْ تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ الْهَرَادِيُّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) مَعْنَاهُ: إذَا عُرِفَ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمَا قُضِيَ بَيْنَهُمَا قَضَاءَ تَرْكٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَدْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَفِي يَدَيْهِ يُجْعَلُ فِي أَيْدِيهِمَا لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُمَا لَا أَنَّهُ يَقْضِي بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الذَّخِيرَةِ.

وَيُعْرَفُ الْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ التَّرْكِ وَالْجَعْلِ فِي الْيَدِ بِلَا قَضَاءٍ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ

(وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ عَلَى الْحَائِطِ جُذُوعٌ ثَلَاثَةٌ (فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا) أَيْ فِي أَصْلِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَلٌ مَقْصُودٌ يُبْنَى الْحَائِطُ لِأَجْلِهِ وَفِي نِصَابِ الْحُجَّةِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ (وَلَا مُعْتَبَرَ) أَيْ وَلَا اعْتِبَارَ (بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْجُذُوعِ (بَعْدَ الثَّلَاثَةِ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلْجُذُوعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يُبْنَى لِأَكْثَرَ مِنْهَا.

قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ: وَقَوْلُهُ: وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهَا: أَيْ مِنْ الثَّلَاثَةِ. أَقُولُ: تَفْسِيرُهُ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَلِمَةُ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ مِنْهَا تَفْصِيلِيَّةً فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ لَامِ التَّعْرِيفِ وَمِنْ التَّفْضِيلِيَّةِ فِي اسْمِ التَّفْصِيلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لَغْوًا، لِأَنَّ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ، فَالصَّوَابُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ هَاهُنَا تَبْيِنِيَّةٌ لَا تَفْصِيلِيَّةٌ، وَأَنَّ ضَمِيرَ مِنْهَا رَاجِعٌ إلَى الْجُذُوعِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا إلَى الثَّلَاثَةِ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى وَلَا اعْتِبَارَ بِالْأَكْثَرِ الْكَائِنِ مِنْ جِنْسِ الْجُذُوعِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَلْزَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>