أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِوَضْعِ كَثِيرِ الْجُذُوعِ دُونَ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ
(وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَالْآخَرُ اتِّصَالٌ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى) وَيُرْوَى الثَّانِي أَوْلَى. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ التَّصَرُّفَ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى.
بِتَأْوِيلِ الرِّوَايَةِ بِالنَّقْلِ أَوْ الْقَوْلِ (أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ) وَالِاسْتِحْقَاقُ بِحَسْبِ الِاسْتِعْمَالِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ جَوَابُ وَجْهِ الْقِيَاسِ.
أَقُولُ: يَظْهَرُ ذَلِكَ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مُخْتَصٌّ بِقَدْرِ خَشَبَتِهِ، وَمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لَا يَعْدُو الْغَيْرَ فَلَمْ يَكُونَا مُسْتَعْمَلَيْنِ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ زِيَادَةِ اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا بَلْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَعْمِلًا لِمَا كَانَ تَحْتَ خَشَبَتِهِ فَقَطْ فَكَانَتْ حُجَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ قَائِمَةً عَلَى غَيْرِ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ الْآخَرِ فَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ بِالْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الْحُجَّةِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ مَحِلُّ الْحُجَّتَيْنِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْحَائِطَ إذَا كَانَ يُسْتَحَقُّ بِوَضْعِ الْجِذْعِ فَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ مَشْغُولٌ بِجِذْعِهِ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ انْعَدَمَ دَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْبَاقِي فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِلْكُ فِيمَا تَحْتَ خَشَبَتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَصَارَ هَذَا كَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَ فِيهَا أَحَدَ عَشَرَ مَنْزِلًا: عَشَرَةُ مِنْهَا فِي يَدِ رَجُلٍ، وَوَاحِدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَتَنَازَعَا فِي الدَّارِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ كَذَا هَاهُنَا اهـ
(وَوَجْهُ الْأَوَّلِ) أَيْ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الثَّلَاثَةِ وَتَذْكِيرُ الْأَوَّلِ لِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّانِي (أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِوَضْعِ كَثِيرِ الْجُذُوعِ دُونَ الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ يُبْنَى لِلتَّسْقِيفِ، وَالتَّسْقِيفُ لَا يَحْصُلُ بِخَشَبَةٍ وَلَا بِخَشَبَتَيْنِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِالْخَشَبَةِ وَالْخَشَبَتَيْنِ أُسْطُوَانَةٌ وَأُسْطُوَانَتَانِ (فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْوَضْعِ) أَيْ يَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ حَقُّ وَضْعِ جِذْعِهِ (لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَنَا بِالْحَائِطِ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ يَصْلُحُ حَجَّةً لِلدَّفْعِ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ يَدَ صَاحِبِ الْأَقَلِّ حَتَّى يَرْفَعَ خَشَبَتَهُ الْمَوْضُوعَةَ، وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الْحَائِطِ لِرَجُلٍ وَيَثْبُتُ لِلْآخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ لَوْ وَقَعَتْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ جَائِزًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَعْلِ الْجِذْعَيْنِ كَجِذْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّسْقِيفَ بِهِمَا نَادِرٌ كَجِذْعٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْخَشَبَتَانِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثِ لِإِمْكَانِ التَّسْقِيفِ بِهَا، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا
(وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا اتِّصَالٌ وَلِلْآخَرِ جُذُوعٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِأَحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلْآخَرِ اتِّصَالٌ فَعَلَى الْأُولَى وَقَعَ فِي الدَّلِيلِ بِوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَقَعَ فِيهِ وَجْهُ الثَّانِي، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ مَا فِي النُّسْخَةِ الْأُولَى هُوَ الصَّحِيحُ لِيَكُونَ الدَّلِيلُ مُوَافِقًا لِلْمُدَّعِي، وَمَا فِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ التَّرْتِيبَ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إلَى نُسْخَةٍ وَقَعَ ذِكْرُ الدَّلِيلِ فِيهَا وَجْهُ الثَّانِي فَتَتَبَّعْ (فَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَيُرْوَى أَنَّ الثَّانِيَ أَوْلَى، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ لِصَاحِبِ الْجُذُوعِ التَّصَرُّفَ وَلِصَاحِبِ الِاتِّصَالِ الْيَدَ، وَالتَّصَرُّفُ أَقْوَى) لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْيَدِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute