وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي يَدِهِ) لِقِيَامِ الْحُجَّةِ لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا) لِمَا بَيَّنَّا فَلَا يَسْتَحِقُّ لِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنِي أَوْ حَفَرَ فَهِيَ فِي يَدِهِ) لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِيهَا.
فَمَا لَمْ يَثْبُتُ كَوْنُ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَقْضِي، إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُقِرَّ مِنْ أَنْ يُزَاحِمَ الْمُقِرَّ لَهُ فِيهَا لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ (جُعِلَتْ فِي يَدِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ) وَيُجْعَلُ الْآخَرُ خَارِجًا، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَيِّنَةُ تُقَامُ عَلَى الْخَصْمِ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا فِي يَدِ الْآخَرِ لَا يَكُونُ خَصْمًا فَكَيْفَ يَقْضِي لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ؟ قُلْنَا: هُوَ خَصْمٌ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي الْيَدِ، وَمَنْ كَانَ خَصْمًا لِغَيْرِهِ بِاعْتِبَارِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ شَرْعًا كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مَقْبُولَةً، كَذَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ) يَعْنِي فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ خَصْمًا انْتَهَى (وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا (جُعِلَتْ فِي أَيْدِيهِمَا لِمَا بَيَّنَّا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ لِقِيَامِ الْحُجَّةِ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ: فَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَ صَاحِبِهِ مَا هِيَ فِي يَدِهِ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هِيَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ حَلَفَا لَمْ يَقْضِ لَهُمَا بِالْيَدِ وَبَرِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ وَتُوقَفُ الدَّارُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ حَقِيقَةُ الْحَالِ، وَإِنْ نَكَلَا قُضِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِكُلِّهَا، لِلْحَالِفِ نِصْفُهَا الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَنِصْفُهَا الَّذِي كَانَ بِيَدِ صَاحِبِهِ لِنُكُولِهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ (فَلَا تُسْتَحَقُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ: أَيْ فَلَا تُسْتَحَقُّ الْيَدُ (لِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا يَخْفَى عَلَيْك هَذَا الْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ اهـ.
أَقُولُ: إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ مُتَفَرِّعًا عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ إلَخْ، إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ إذْ يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَجْنَبِيٍّ. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَفَرِّعًا عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلَانِ أَرْضًا إلَى هُنَا بِأَنْ كَانَ فَذْلَكَةَ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ كَانَ فِي مَحِلِّهِ كَمَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ لَبِنَ فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْضًا صَحْرَاءَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَأَحَدُهُمَا لَبِنَ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ (فَهِيَ فِي يَدِهِ لِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ) وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ إثْبَاتُ الْيَدِ كَالرُّكُوبِ عَلَى الدَّوَابِّ وَاللُّبْسِ فِي الثِّيَابِ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute