وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا.
قَالَ: (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا) يَعْنِي يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْضِ أَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا) لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَمَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي فَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُهُ
السَّاحَةِ (وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا) وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَصَبُّ الْوُضُوءِ وَكَسْرُ الْحَطَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَا فِي ذَلِكَ سَوَاءً كَانَا فِي اسْتِحْقَاقِ السَّاحَةِ أَيْضًا سَوَاءً، وَلَعَلَّ مُرُورَ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَكْثَرُ مِنْ مُرُورِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ لِزَمَانَةِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ وَكَوْنِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَلَّاجًا خَرَّاجًا.
عَلَى أَنَّا نَقُولُ: التَّرْجِيحُ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْعِلَّةِ وَصَارَ هَذَا كَالطَّرِيقِ يَسْتَوِي فِيهِ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْمَنْزِلِ وَالْبَيْتِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْيَدِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَخْذًا مِنْ الْكَافِي، وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا جَمِيعُ الثَّوْبِ وَفِي يَدِ الْآخَرِ هُدْبُهُ حَيْثُ يُلْغَى صَاحِبُ الْهُدْبِ، وَمَا إذَا تَنَازَعَا فِي مِقْدَارِ الشُّرْبِ حَيْثُ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَرَاضِيِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَتْ السَّاحَةُ بَيْنَهُمَا مُشْتَرَكَةً.
أُجِيبُ بِأَنَّ الْهُدْبَ لَيْسَ بِثَوْبٍ لِكَوْنِ الثَّوْبِ اسْمًا لِلْمَنْسُوجِ فَكَانَ جَمِيعُ الْمُدَّعِي فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ كَالْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ فَأُلْغِيَ وَالشُّرْبُ تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَرَاضِي دُونَ الْأَرْبَابِ، فَبِكَثْرَةِ الْأَرَاضِيِ كَثُرَ الِاحْتِيَاجُ إلَى الشُّرْبِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَثْرَةِ حَقٍّ لَهُ فِيهِ، وَأَمَّا فِي السَّاحَةِ فَالِاحْتِيَاجُ لِلْأَرْبَابِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، فَاسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَصَارَ هَذَا نَظِيرَ تَنَازُعِهِمَا فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ حَيْثُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ
(قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (وَإِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَرْضًا، يَعْنِي يَدَّعِي كُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمَا أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْضِ أَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا) أَقُولُ: فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ هَاهُنَا مُسَامَحَةٌ، وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِأَنَّهَا فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إقَامَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ لَا عَلَى إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا، وَإِنَّمَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ بِأَنَّهَا فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا كَمَا لَا يَخْفَى، وَسَيَتَجَلَّى مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي فِي الْكِتَابِ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الْكَافِي هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَقْضِ بِأَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالْبَيِّنَةِ انْتَهَى.
فَإِنَّ هَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ هَاهُنَا (لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ (غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا) فَقَدْ غَابَ مِنْ عِلْمِ الْقَاضِي (وَمَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي) أَيْ وَاَلَّذِي غَابَ عَنْ عِلْمِهِ (فَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُهُ) فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْكِنَ الْقَضَاءُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ جَازَ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا؛ وَلَوْ قَضَى لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا بِالْيَدِ لَأَبْطَلَ حَقَّ صَاحِبِ الْيَدِ بِلَا حُجَّةٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ هَاهُنَا مَسْأَلَةٌ غَفَلَ عَنْهَا الْقُضَاةُ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَرْضًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَزْعُم أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِبَيِّنَتِهِ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِيَجْعَلَهَا الْقَاضِي فِي يَدِ أَحَدِهِمَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute