وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ. كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَأُمُّهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا، وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَامَ الْمَانِعُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ فِيهِ وَفِي التَّبَعِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا
امْتِنَاعَهُ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ: إذَا لَمْ يَمْنَعْ ثُبُوتَ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ لِلْبَائِعِ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْبَائِعِ لِكَوْنِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا حَبِلَتْ الْجَارِيَةُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَمِنْ حُكْمِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ صَيْرُورَةُ أُمِّهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ وَإِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ: (وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ) أَيْ وَلَيْسَ ثُبُوتُ الِاسْتِيلَادِ فِي حَقِّ الْأُمِّ مِنْ ضَرُورَاتِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتِهِ: يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحْكَامِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ لِجَوَازِ انْفِكَاكِهِ عَنْهُ (كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ) وَهُوَ وَلَدُ مَنْ يَطَأُ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَتَلِدُ مِنْهُ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَجِيءُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (فَإِنَّهُ) أَيْ وَلَدَ الْمَغْرُورِ (حُرٌّ) أَيْ حُرُّ الْأَصْلِ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْمُسْتَوْلِدِ (وَأُمَّهُ أَمَةٌ لِمَوْلَاهَا) فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُسْتَوْلِدِ بَلْ تَكُونُ رَقِيقَةً حَتَّى تُبَاعَ فِي السُّوقِ (وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ) يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ فَوَلَدَتْ لَهُ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَلَا تَثْبُتُ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَيُطَابِقُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَوْلَدَ أَمَةَ الْغَيْرِ بِنِكَاحٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ انْتَهَى.
وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: كَمَنْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ الْغَيْرِ بِالنِّكَاحِ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ، وَلَا تَصِيرُ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِلْحَالِ إلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ اهـ. قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَكَمَا فِي الْمُسْتَوْلَدَةِ بِالنِّكَاحِ بِأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ انْتَهَى. أَقُولُ: هَذَا الْمَعْنَى هَاهُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَاهَا قِسْمٌ مِنْ قِسْمَيْ وَلَدِ الْمَغْرُورِ كَمَا سَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَنَبَّهْت عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَذْكُرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مُقَابَلَةِ وَلَدِ الْمَغْرُورِ كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فَسَّرَا وَلَدَ الْمَغْرُورِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ بِقَوْلِهِمَا: وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى رَجُلٌ أَمَةً مِنْ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهَا مِلْكُهُ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ انْتَهَى. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْمَغْرُورِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَحَدَ قِسْمَيْهِ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ، وَبِالْمَذْكُورِ فِي مُقَابَلَتِهِ قِسْمَةَ الْآخَرِ وَهُوَ مَا حَصَلَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى مِلْكِ النِّكَاحِ فَلَا مَحْذُورَ. قُلْت: ذَلِكَ التَّفْسِيرُ مِنْهُمَا تَقْصِيرٌ آخَرُ، فَإِنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ تَقْيِيدًا لِلْكَلَامِ الْمُطْلَقِ بِلَا مُقْتَضٍ لَهُ مُؤَدٍّ إلَى تَقْلِيلِ الْأَمْثِلَةِ فِي مَقَامٍ يُطْلَبُ فِيهِ التَّكْثِيرُ فَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْمَحْذُورُ بَلْ يَتَأَكَّدُ (وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْوَلَدَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ (قَامَ الْمَانِعُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْوَلَدُ فَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ) أَيْ ثُبُوتُ مَا ذَكَرَ مِنْ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِيلَادِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْأَصْلِ (وَفِي التَّبَعِ) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي التَّبَعِ أَيْضًا (وَإِنَّمَا كَانَ الْإِعْتَاقُ مَانِعًا). قَالَ مُتَقَدِّمُو الشُّرَّاحِ: أَيْ وَإِنَّمَا كَانَ إعْتَاقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute